3666 144 055
[email protected]
عضو معهد التقييم الكندي (AIC)
IbraheemAlsahan@
قامت شركة “وهم” بشراء ٥ ملايين متر مربع في ضاحية إحدى المدن الرئيسية، وفي نفس الوقت قام رئيس مجلس ادارة شركة “وهم” أبو سعد بشراء ٥ ملايين متر مربع بجوار أرض شركته، استخرجت شركة وهم تصريحاً لتطوير مشروعها من هيئة تطوير المدينة المعنية، وكان مشروع شركة وهم من خلال الصور التخيلية له، نوعيا من حيث محتوياته وتصاميمه وإتقان تداخل المسطحات الخضراء مع المباني المعمارية الفريدة الطراز، فيخيل إليك أن مميزات تلكم الضاحية ستتفوق بلا شك على ضواحي مدن أوروبا.
بدأت الشركة بوضع لوحات لرسومات تخيلية للمشروع يراها القاصي قبل الداني، و كذلك كثفت الحملات الدعائية في صفحات الجرائد عن المشروع و اللقاءات الصحفية و التلفزيونية التي توضح مميزات ذلك المشروع الجبار الذي يعد نقلة نوعية في قطاع التطوير، وفي هذه الأثناء بدأ أبو سعد الذي اشترى المتر المربع بـ 5ريالات ببيع أول مليون متر مربع بقيمة ٢٠ ريال للمتر المربع، ثم المليون التالي ب٥٠ ريال، حتى باع أخر مليون بـ١٥٠ ريال، نظرا لأن أراضيه قريبة من مشروع شركة وهم التي يرأس مجلس ادارتها، و استغرقت هذه الصفقات قرابة ٥ سنوات، وحتى ذلك الحين لم تضع شركة وهم “مسمار واحد” في أرضها، وتراكم الغبار على لوحات المشروع، و بدت أرض المشروع خاوية على عروشها.
ثم تم تجديد اللوحات والحملات الدعائية بالجرائد والمجلات بأن شركة وهم ستبدأ تطوير المشروع قريبا و أنها أبرمت عقودا مع شركات أجنبية لإنجاز البنية التحتية، في هذه الأثناء وصل سعر المتر المربع لأرض شركة وهم إلى ٢٠٠ ريال.
اجتمع أبو سعد بمجلس الإدارة ليخبرهم أن ٥ ملايين متر مربع ستكون مرهقة لهم عند التطوير، لذلك من الأفضل بيع نصف المشروع كأرض، و فعلا باعت شركة وهم نصف أرضها، ثم نامت على النصف الأخر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ضجت الصحف خلال الأعوام من ٢٠١٠إلى ٢٠١٣ بمشاريع تطوير نوعية تقع في ضواحي مدن رئيسية، كان من المتوقع أن ترى النور خلال ٣-٥ سنوات، ولكن الواقع يشهد بأنها ما بين مشاريع وهمية لها مآرب أخرى أواجتهادية لم تدرس بشكل جيد أو متعثرة لضعف التخطيط والإدارة، وما يثير الحيرة و التساؤل أن أغلب تلكم المشاريع كانت بمبادرة شركات مساهمة عامة، و التي من المفترض أن تتمتع بشفافية عالية ووضوح جلي، حتى يتمكن المستثمر من اتخاذ قرار شراء أسهم تلكم الشركات من عدمه.
و تلكم المشاريع للأسف جعلت الكثير من صغار المستثمرين يضعون “تحويشة العمر” في تلك المناطق النائية رغبة في الإرتفاع المترقب بعد إنجاز المشاريع، و في نهاية المطاف رجعوا بخفي حنين. لا شك أن هذه الممارسات من بعض الدخلاء على التطوير أو مدعي ممارسة التطوير، تضر بهذا القطاع الحيوي و الذي يعتبر رافدا أساسيا للتنمية العمرانية، و لذلك لا بد أن تتخذ الجهات المعنية بإصدار التصاريح لمثل تلكم المشاريع خطوات جادة لإيقاف التلاعب من مطوري الوهم، بحيث تكون هناك مدة زمنية محددة لإنجاز المشروع و الا سحب الرخصة والإعلان بذلك بنفس الصحف التي روجت للمشروع على حساب صاحب المشروع، حتى لا ينخدع الجميع باللوحات الإعلانية لهذه المشاريع. كذلك مما سيحد من تأخير الشركات بالبدء الفوري بالتطوير هو تطبيق رسوم الأراضي البيضاء والتي ستجعل من العبء المالي لبقاء الأرض خاوية دون تطويرها إلى منتجات تفيد المستهلك النهائي أمرا أشبه بالمستحيل، و بالتالي الحد من هذه الظاهرة المزعجة.
و في المقابل فان هنالك مطورون يقومون بواجبهم على أكمل وجه، و يستحقون الدعم والتشجيع من حيث تسهيل اجراءات استخراج التصاريح، و كذلك وضع حوافز بطرق عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر ما هو مطبق في أمريكا الشمالية، بأن تقوم بلدية المدينة بتحديد الاحتياجات الخدمية لحي معين وفقا لدراسات و بيانات حديثة عن نشاطات الحي واحتياجاته، و في حال قام المطور بتلبية احدى الاحتياجات الخدمية فيتم إما بتخفيض رسوم استخراج التصاريح اللازمة لمشروعه،أوالسماح له بإضافة عدد من الأدوار و غيرها من المحفزات التي تتناسب مع حجم الخدمة المقدمة من قبل المطور و حاجة الحي لها، و بهذه الطريقة تستفيد جميع الأطراف المعنية، فالبلدية أضافت خدمات مطلوبة للحي دون أي تكاليف، و المطور حصل على تسهيلات مالية أو استثناءات تضيف قيمة استثمارية لمشروعه، و كذلك مجتمع الحي استفاد من تلكم الخدمات التي يحتاج إليها.
الخلاصة، الحلول والتطبيقات العملية و الناجحة متوفرة، ولكن تحتاج إلى إرادة و عزيمة من أصحاب القرار لتكون إنجازات ينعم بها المجتمع على أرض الواقع، لذا نحتاج إلى إيقاف مشاريع التطوير الوهمية ومحاسبة المتأخرين عن تنفيذها، ووضع آليات تمنعهم من المماطلة بالمشاريع دون مقابل و هذا المقابل سيتمثل في رسوم الأراضي البيضاء، وكذلك نحتاج إلى أمانات و بلديات نشطة وتعمل وفقا للمتغيرات، من خلال اعتمادها في تخطيطها و استراتيجيتها على بيانات و إحصاءات ومسوحات ميدانية واقعية، لتستطيع اتخاذ القرار الصحيح، وكذلك لا بد أن تكون هنالك حوافز للمطورين الذين يضيفون قيمة من خلال مشاريع تطوير مميزة تضيف للاقتصاد و تعزز التنمية.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734