3666 144 055
[email protected]
أكاديمي متخصص في المحاسبة
[email protected]
المصائب لا تأتي فرادى ابدا فوقت الانتصار الجميع منتصر ووقت الخسارة تصبح التهم كرة متداولة بين اللاعبين في المشهد لتكشف الكثير من الخلل. ليس غريبا ان يكتشف فساد في منظمة ما ولكن الاغرب من كل ذلك حين يكون الفساد محسوس منذ زمن طويل ثم ظل متروكا دون نبش وبحث حتى نقطة معينة بدأ معها البحث الدقيق.
جميع وسائل الاعلام وخصوصا البريطانية ظلت تكرر ان بلاتر وفرقته منذ ان ابتدأو العمل في الجهة الاعلى في تنظيم لعبة كرة القدم وهم عنوان للفساد ولكن السؤال الاهم هنا لما صمت الاعلام طيلة تلك الفترة ( او كان اقل يقظة ) ولم يصحوا الا مؤخرا وتحديدا بعد خسارة امريكا وبريطانيا لفرصة تنظيم كاس العالم 2018 او 2022 في مقابل ان البلدين الفائزين بالتنظيم هما قطر وروسيا !!!
كمية الفساد التي يتحدث عنها اليوم في الاعلام داخل اروقة الفيفا لم تقف عند الرشاوى فقط بل تجاوزته الى التلاعب بالنتائج وغسيل الاموال. في تاريخ 27 مايو القت السلطات السويسرية القبص على 7 اعضاء هامين في الفيفا بتهمة الفساد المالي وتقدر السلطات ان حجم المبالغ المالية التي تم استخدامها في الرشاوى ونحوه بما يقارب 150 مليون دولار خلال 24 سنة ماضية (بحسب تقرير اوردته ال BBC). اليوم الحديث ليس فقط عن اعضاء تلقوا مبالغ مادية بل ايضا الحديث عن تلقي الاتحاد الايرلندي لمبالغ من الفيفا ليصمت عن حالة تأهل فرنسا على حساب منتخب بلاده بهدف غير شرعي,وتلاعب مالي بتذاكر المباريات.
سبعة اعضاء كبار في الفيفا تم القبض عليهم من السلطات السويسرية ضمن اجراءات التحقيق التي اعلنتها السلطات الامريكية بحق الفساد في المنظمة. ورغم كل هذا الفساد الذي يتم الحديث عنه الا ان السيد بلاتر استطاع كسب الانتخابات واعادة ترشيح نفسه كرئيس وفقط خلال اسبوعين من اعادة ترشيحه اعلن استقالته وابتعاده من المنصب مما جعل الاتهامات التي تتطاير يمنة ويسرة تكون اكثر حدة واكثر شكوكية واكثر تعمق في مسائل الفساد.
نحن لا نتحدث فقط عن منظمة فاسدة قامت بتمرير انواع من الجرائم المالية بل نتحدث عن دخول اتحادات قارية واقليمية بل دول وشركات كبرى عالمية راعية للفيفا ومسابقاتها (مثل كوكاكولا واديداس وغيرها) ذات ارتباط بتلك المنظمة الفاسدة وقد تكون شريكة في ذلك. ولهذا السبب ظهرت التصريحات الاخيرة لرئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون منددا بالفساد وضرورة العمل من قبل الاقتصادات الاكثر نموا في العالم (G7) للحد من الفساد والبدء في بحث دقيق وفعلي حول حجم الفساد الحاصل والعمل على تنظيف الاقتصاد العالمي من هذه الجرائم المالية. حيث كان صريحا وهو يقول نحن نعلم ان هناك فساد قائم داخل اروقة كثير من المنظمات حول العالم لكن ما حدث للفيفا يوجب علينا ضرورة مناقشة ذلك خلال الاجتماع القادم بشكل واضح (بحسب تقرير قدم من BBC). ما يجب ان نعرفه ان الفيفا منظمة غير هادفة للربح تعمل على تنظيم حدث كاس العالم لكرة القدم المقام كل اربع سنوات بالاضافة الى تنظيم لعبة كرة القدم حول العالم من خلال الاعضاء الممثلين للدول والقارات المهتمة بهذه اللعبة. رغم ان الفيفا تعتبر منظمة غير ربحية الا ان حجم الايراد الناتج من تسويق كاس العالم الاخير في البرازيل بلغ حوالي 4 بليون دولار (بحسب ماورد بمجلة فوربس). نحن نتحدث عن مبالغ عالية ناتجة عن حقوق النقل والرعاية التسويقية للبطولات والاحداث التي تنظمها هذه المنظمة.
كمية الفساد في الفيفا باتت حقيقة وان كان كل ما يتداول حتى الان يعتبر اتهامات لم تثبت بعد الا ان استقالة السيد بلاتر بعد ان تم اعادة ترشيحة بالاضافة الى الاعترافات من بعض الاعضاء زادت من حجم التاكيد حول حدوث فساد مالي واداري كبير جدا على مستوى اكبر منظمة رياضية في العالم. خرج نائب رئيس الفيفا جاك وارنر ليشير الى ان هناك فساد كبير جدا داخل الفيفا وانه يملك ملفات ومستندات سوف يقدمها لتثبت الكثير من حالات الفساد المالي. عضو الفيفا الامريكي تشوك بلازر زاد الامور تاكيدا حين اعترف للسلطات بتلقيه هو ومجموعة من الاعضاء الاخرين رشاوى من اجل منح جنوب افريقيا حقوق استضافة كاس العالم 2010 بالاضافة الى العديد من الرشاوى التي تلقوها كاعضاء منذ 1993م (شاملة استضافة فرنسا 1998).
القضية كبيرة جدا لن تلقي بضلالها فقط على المنطمة بل على دول واتحادات رياضية وحكومات شاركت في هذا الفساد العالمي لكن بما اننا نتحدث عن فساد متراكم من حوالي 17 سنة السؤال هو لماذا الان ظهر بكل جسده؟ منذ حصول قطر وروسيا على حقوق الاستضافة والاعلام الغربي وخصوصا الاعلام البريطاني لم يكف عن انتقاد الفيفا واعمال الفيفا وكان نقدهم صارخا وشاركه الاعلام الامريكي في ذلك وان كان اقل اهتماما بهذه اللعبة. ما يزيد الامر شكوكية حول مصداقية تعاطي بعض الاعلام الغربي مع الحدث هو نقاش بعض الاعلاميين في الغرب عن ضرورة سحب حقوق الاستضافة من قطر دون روسيا نظرا لحجم روسيا من جميع النواحي في العالم.
السؤال الآخر المصاحب لسؤالنا السابق هو ايستحق ملف الاستضافة كل هذا الضجيج؟؟ نحن نتحدث عن عوائد تسويقية تحصل عليها الفيفا وصلت الى حوالي 4 بليون دولار فما هو الاثر الاقتصادي الذي يمكن تخيله على الدول المستضيفة. دولة مثل فرنسا وجنوب افريقيا تدفع مبالغ من اجل الاستضافة لما ؟؟؟ بكل تاكيد ان هناك عوائد مالية تجعل تحمل تلك المخاطر امرا متقبلا بخلاف الاثر الاكثر وضوحا واهمية وهو التعزيز الفعال للبنية التحتية والتفاعل مع الثقافات الاخرى المعزز للفرص الاستثمارية والتسويقية. نحن نقول ذلك رغم ان بعض السياسين في بعض الدول المستضيفة يرون الاستضافة عبء اقتصادي كما حدث في البرازيل اخيرا إلا ان تلك المبالغ التي دفعت للحصول على حقوق الاستضافة تفتح تساؤلا جادا عن مدى الفائدة الاقتصادية الحقيقة المرغوبة للبلد (وهل هناك اطراف للفساد اخرى)
البعض يردد ان ما حدث هو نتيجة سلوكيات غير سليمة لاعضاء الفيفا والبعض الاخر جعل الامر متعلقا بالهيكلة التنظيمية وغياب الفاعلية الادارية داخل اروقة الفيفا معززا ذلك بتصريح بلاتر حين ذكر انه وان كان رئيسا لن يعلم بكل شيء يحدث . في حين راى البعض الاخر جعل السبب الاهم في عدم كفاءة وفعالية المنظمات والانظمة الرقابية حول العالم. كما نرا هنا الفساد المالي تاثيره ليس محدود بل هو واسع النطاق ومتشعب الدوافع والمسببات.
بعد ظهور هذا الفساد المستشري داخل اروقة اكبر السلطات الرياضية هل نتوقع ان حجم الاستثمار العالي في الرياضة سيستمر كما هو؟ هل سيؤثر هذا الفساد على ملف الخصخصة الذي نتحدث عنه في رياضتنا؟ هل نحن واتحادنا الرياضي بعيدين عن المشهد؟ كل هذه اسئلة تستحق التعامل الجاد فالقضاء على الفساد المالي يتطلب اهتمام بالسلوكيات بدأ بالاختيار والاعداد ومرورا بالانظمة واللوائح وانتهاءا بالعقوبات والغرامات وعدالة تطبيقها. كل جزء يجب ان يكمله الجزء الاخر فلا نعتقد ان جمال عبارة الخصخصة سوف يجلب الشركات بلهفة الى القطاع الرياضي فاليوم الحديث عن ان الشركات الراعية للفيفا ضغطت وكانت عاملا هاما في رحيل بلاتر رغم انتخابه من الدول الاعضاء لانها لا تريد ان تتاثر سمعتها فلا احد يعتقد ان كوكاكولا تريد ان تكون ذات علاقة بمنظمة فاسدة وقس على ذلك حالة غياب الانظمة فلا يعتقد ان مستثمرا ما سوف يعد الدخول في وسط بلا انظمة واضحة وعادلة استثمار بل هو مقامرة باموال الملاك. لذا علينا قبل ان نناقش الخصخصة ان نناقش الحالة الحالية للانظمة المالية والادارية والقانونية داخل الجهة المنظمة للرياضة والاندية التابعة لها لدينا لنوجد بيئة مشجعة للاستثمار فما دار بين هيئة دوري المحترفين وشركة زين حول حقوق الاندية وغياب الشفافية في عقود الاندية الاستثمارية ومعلوماتها المالية امور تستحق اعادة النظر لكل من يناقش موضوع الاستثمار الرياضي (خصوصا مع تصاعد ارقام ديون الاندية السعودية بشكل مقلق).
نهاية: التطبيق العادل هو اساس القوانين والعقوبات هي السياج الذي يكبح جماح نزوات النفس والانظمة الواضحة هي الاسس التي تقوم عليها البيئة الصالحة للاستثمار والرقابة والمراجعة المالية هي روح الثقة التي تزيد البيئة الاستثمارية صلاحية وسلامة. لذا الاموال الطائلة التي اليوم تستثمر في الاوساط الرياضية تحتاج الى تمعن دقيق بعد هذه الحادثة الكاشفة لعدد من الجرائم المالية في منظمة تعد اكثر تنظيما وكفاءة من اتحادات رياضية حول العالم (الامر متعلق بجرائم مالية غسيل اموال، رشاوى، تلاعب بنتائج، تلاعب باسعار تذاكر…الخ).
النفيسة
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734