3666 144 055
[email protected]
الدراسات القيمة التي قدمها معهد كيندي في جامعة هارفرد، التي شارك فيها الدكتور خالد السويلم ومجموعة من المختصين، ونشرت صحيفة الاقتصادية في عدد رقم 7890 وتاريخ غرة شعبان لعام 1436هـ ملخصا عنها، كانت تتحدث عن السياسات والضوابط السيادية التي ينبغي أن تكون عليها الصناديق والاستثمارات الحكومية لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي المطلوبSovereign investor models: Institutions and policies for managing sovereign wealth، وهي موجودة على الرابط التالي: belfercenter.ksg.harvard.edu/files/InvestorModels.pdf
وهي بمنزلة دليل استرشادي لكثير من الدول للاستفادة من الفوائض المالية نحو تحقيق استقرار مالي على المدى البعيد، كما توضح هذه الدراسة أهمية استقلال الاستثمارات السيادية عن البنك المركزي ووزارة المالية، وأن يكون الصندوق السيادي جزءا من إطار كامل لضبط السياسة المالية من خلال آليات واضحة للمصروفات الحكومية والادخار الوطني.
لعل الأبرز فيما يتعلق بحالة المملكة التي وردت في التقرير الإشارة إلى أن عدم استثمار المملكة فوائضها المالية في صناديق الاستثمارات السيادية خلال السنوات العشر الماضية فوت عليها فرصة بناء احتياطيات أضخم بكثير من الاحتياطات الحالية، حيث بلغت الاحتياطيات التي تستثمرها المملكة حاليا 750 مليارا، في حين أنه كان بإمكانها تحقيق عوائد بمقدار تريليون و800 مليار دولار بحسب الدراسة، مقارنة باستثمارات مشابهة، حيث صنفت الدراسة استثمارات المملكة الخارجية ضمن استثمارات البنوك المركزية التي تركز على الاستثمارات سهلة التسييل Highly liquid وذات العائد الثابت Fixed income، وهذه استثمارات على غرار استثمارات البنك الوطني السويسري وبنك الشعب الصيني وغيرها، أما الاستثمار الذي كان يمكن أن يحقق عوائد أعلى وصنفته الدراسة باستثمارات الثروة السيادية فهو على غرار استثمارات هيئة الاستثمار في أبو ظبي وهيئة الاستثمار الكويتية وغيرها.
هذه الدراسة يتضح منها أن المملكة لم تشرع حاليا في إنشاء صندوق سيادي، والتأخر في هذا الإجراء كان سببا في تفويت فرص زيادة موجوداتها الاستثمارية التي يمكن أن تكون موردا لها مساندا للدخل الناتج عن النفط، خصوصا أن حجم الإنفاق يزداد في المملكة عطفا على الزيادة المطردة في السكان، إضافة إلى استمرار الإنفاق على المشاريع التنموية.
رغم أهمية النتائج التي خرجت بها الدراسة، إلا أن من الأهمية بمكان العناية بالمعطيات الجديدة للاقتصاد السعودي وتحديد الأولويات بناء على ذلك، ولا شك أن إنشاء صندوق للأجيال مهم لضمان مورد مستمر للاقتصاد خصوصا مع وجود تقلبات في أسعار النفط، ولكن لننظر إلى واقع الاقتصاد حاليا مع وجود طموح أن تكون المملكة بلدا لا يعتمد على الموارد الطبيعية، بل يستفيد من هذه الموارد في بناء مصادر للدخل من خلال إمكاناته البشرية، خصوصا مع الزيادة في إعداد الكوادر القادرة على العمل في المملكة وهم الثروة البشرية، إذ إن الإحصائيات توضح أن النسبة العظمى من السكان في المملكة هم من الشباب، وهذه الثروة من المهم الاستفادة منها لتحقيق مورد اقتصادي مستدام، وذلك من خلال توفير التعليم والتدريب المناسبين للاقتصاد ولاحتياج المؤسسات والشركات والمصانع في المملكة، وتوفير فرص العمل التي ينبغي أن تركز على القطاعات الإنتاجية، سواء في الصناعة أو الخدمات بدلا من التركيز على قطاع التجزئة، الذي هو انعكاس للاستهلاك في السوق المحلية ولا يعكس الإنتاجية للمجتمع التي تظهر في الناتج المحلي للمملكة.
من المؤمل أن يستمر مثل هذا النوع من الدراسات للنظر في إمكانية الاستثمار في شركات عالمية لتحقيق عائد مادي ومعنوي لدعم الاقتصاد، كالاستثمار في شركات النفط والبتروكيماويات، أو الاستثمار في قطاعات التقنية المتقدمة، لتشجيع استقطاب استثمارات متقدمة للمملكة، وإتاحة فرص التدريب وتنمية الموارد البشرية من خلال تلك الاستثمارات.
يبقى سؤال يحتاج إلى أن تجيب عنه هذه الدراسة أو دراسات أخرى، وهو هل الظروف والمعطيات الاقتصادية للدول التي لديها صناديق استثمارية سيادية متشابهة مع الظروف الاقتصادية للمملكة، أو بمعنى آخر في حال وجود فوائض مالية للاقتصاد في المملكة، فهل الخيار الأفضل هو استثمارها من خلال الصناديق السيادية أو من خلال تنفيذ مشاريع محلية بغرض تهيئة بيئة إنتاجية أفضل للاقتصاد الوطني؟
فالخلاصة أن الدراسة القيمة التي قدمها الدكتور خالد السويلم لها أهمية كبيرة في تقييم استثمارات المملكة، والنظر في إمكانية تطوير الآليات بما يحقق عوائد أفضل تعزز من موارد المملكة المالية غير النفطية في المستقبل، ويبقى أن من الأهمية بمكان العناية بالثروة البشرية للمملكة، وإصلاح سوق العمل بما يمكن الاقتصاد من زيادة إنتاجيته، وزيادة موارده المالية بعيدا عن الاعتماد على الموارد الطبيعية.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734