الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كتب الأستاذ عبدالرّحمن الخريّف مقالا في وقت سابق حذّر فيه من طرح شركات المقاولات للاكتتاب العام بناء على معطيات تناولها في مقاله المشار إليه. و لست هنا بصدد التّحذير (من) أو التّشجيع (إلى) طرح شركات المقاولات للاكتتاب العام لكنّي فقط أحاول تقديم توضيحات مختصرة لواقع و طبيعة الاستثمار في أنشطة المقاولات و هي عبارة عن خلاصة خبرة متواضعة قدرها اثنتاعشرة سنة في إدارة أنشطة مؤسّسات و شركات تعمل في أنشطة المقاولات المختلفة. سأقتصر في هذا المقال على ذكر أربع خصائص رئيسيّة متعلّقة بواقع الاستثمار في قطاع المقاولات هنا في المملكة العربيّة السعوديّة فقط حتّى يكون الطّرح أكثر دقّة و موضوعيّة.
أولى خصائص الاستثمار في قطاع المقاولات سهولة الدّخول فيه، فبإمكان أيّ مواطن لديه سجلّ مدني أن يستخرج سجلّ تجاري لممارسة نشاط مقاولات أو أكثر!! و عليه فهو من أسهل الأنشطة دخولا. و بناء عليه فإنّ المنشآت التي تعمل في قطاع مقاولات ليست بمأمن من مزاحمة المنافسين و بشكل مفاجيء طيلة الوقت. النّسبة الكبرى من الفرص المطروحة للمقاولين كانت من خلال مشروعات حكوميّة (و شبه الحكوميّة) و بالتّالي فنظام طرح المنافسات يعتمد بشكل على رئيسي على نظام المشتريات الحكوميّة الّذي يعتمد بدوره و بشكل أساسي على سعر العرض الأقلّ بصرف النّظر عن جودة و كفاءة المنشأة التي تتقدّم للمنافسة.
صحيح أنّ هناك نظاما لتصنيف المقاولين لايجيز (نظريّا) للمنشأة أن تتقدّم للمنافسة على مشروع يتجاوز مبالغ معيّنة إلّا أنّ هذا الشّرط ليس صعب التّجاوز بعدّة طرق ليس هذا مجال التّفصيل فيها. إذا قطاع المقاولات من السّهل الدّخول فيه دون عوائق و من السّهل أيضا التقدّم للمنافسة على المشروعات مع المنشآت التي تعمل في القطاع لسنوات (و ربّما لعقود) طويلة.
لذلك حين يتقدّم المقاول الكفء بدراسة تكاليف المشروع المتوقّعة بناء على خبرته الطّويلة في القطاع و على فهمه لكافّة العوامل المؤثّرة في التّسعير و يقدّم عرض سعره بناء على ذلك يتفاجأ بمقاول جديد تقدّم لنفس المشروع بسعرّ يقلّ كثيرا عن السّعر الّذي تقدّم به!. الخاصيّة الثّالثة لهذا القطاع أنّ الرّقابة على التّنفيذ فيه صعبة و غير واقعيّة! ذلك أنّه بالرّغم أنّ لدينا عشرات المنشآت المحترمة التي تعمل وفق أنظمة وزارة العمل و الجوازات إلّا أنّ هناك أضعاف تلك المنشآت التي تتحايل على الأنظمة مااستطاعت إلى ذلك سبيلا و تمارس أعمالها وفق آليّات التستّر و ممارساته المختلفة. و بالتّالي فالواقع الفعلي في قطاع المقاولات أنّ التّنافس فيه غير عادل مطلقا!! حيث أنّ المقاولين الّذين يحرصون على احترام الأنظمة و يعملون وفق اللّوائح يخسرون كثيرا بسبب فئات المقاولين الّذين يتحايلون على الأنظمة و يخالفونها و يستطيعون بسبب ذلك من تقليل مصروفاتهم و تقديم عروض أسعار أقلّ و بالتّالي يتمكّنون من الحصول على حجم عمل أكبر. الخاصيّة الرّابعة للقطاع و هي من أخطرها أنّ التّخارج من الاستثمار في قطاع المقاولات صعب و يصدق فيه المثل المصري (دخول ال….. مش زيّ خروجه)!.
لذلك يندر أن تنجح منشأة تعمل في نشاط المقاولات أن تتخارج بطريقة سلسلة و ناجحة و ذلك بسبب الحاجة إلى الانتهاء من جميع المشروعات المتعاقد عليها قبل عمليّة التّخارج و إدارة منشأة المقاولات في مرحلة التّخارج صعبة. و للقاريء أن يتساءل في ختام هذا الطّرح هل يعني ذلك أنّ الاستثمار في قطاع المقاولات سواء بالتّأسيس (أو الاكتتاب) أو بأيّ طريقة كانت أمر سيّء من كلّ وجه؟ الجواب قطعا لا فالقطاع رغم ماتمّ ذكره مليء بالفرص و تمكّن الكثيرون من تأسيس أنشطة مقاولات و نجحوا فيها و حافظوا عليها كما أنّ هناك جهودا مشكورة من المهتميّن بهذا القطاع لتحسين بيئة العمل فيه و معالجة مشكلاته و هذا ماسيتمّ تناوله في مقالات قادمة إن شاء الله. الرّاشد
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال