3666 144 055
[email protected]
مستشار قانوني
BakerHa@
حصل سوق الأوراق المالية السعودي بالأمس على “ترقية” تزيد من فرصة انضمامه إلى دخول نادي الأسواق المالية العالمية الناشئة (Emerging Markets) مما يتيح رفع تصنيفها على المستوى العالمي لتكون مدرجة في مؤشرات عالمية كمؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة MSCI بحلول منتصف عام 2017م تقريباً. تسعى كثير من بلدان العالم الثالث والدول النامية إلى إيجاد سوق مالية لنهوض باقتصاداتها، لما تحدثه الأسواق المالية من أثر بارز على أداء الشركات العاملة في السوق وعلى الاقتصاد الوطني مما يسهم بفعالية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية. لذا يتطلع العالم إلى تلك الأسواق المالية الناشئة كفرصة جديدة، وتحظى باهتمام كثير من الاقتصاديين والمتعاملين الدوليين، حيث تتميز هذه الأسواق بجاذبية لمستثمري المحافظ المالية بسبب العوائد التي تدرها على مستثمريها، وهذا بدوره سيعيد توزيع السيولة في السوق المالية الدولية وخاصة في الأسواق الناشئة حيث توقع عدد من الخبراء الاستراتيجيين تحولاً في الأسواق الناشئة الآسيوية على نحو قد يؤثر على الأسواق المالية الأخرى المتعلقة بالنفط والطاقة، مثل البرازيل والمكسيك، وروسيا وإندونيسيا، وماليزيا.
يلاحظ أن الاستثمارات العالمية بدأت توجه قافلتها نحو الأسواق المبتدئة بسبب الأزمة الخانقة التي تتعرض لها الأسواق الناشئة والتقلبات السريعة في قراءة الآفاق الاقتصادية للدول المتقدمة. فتصنيف الأسواق بأنها مبتدئة أو ناشئة أو متقدمة مرهون بعدة عوامل، حيث خرجت السوق المالية المغربية من الأسواق الناشئة بسبب المشاكل التي تعانيها بسبب فقدان السيولة، وفي المقابل فإن عدداً من الأسواق المبتدئة تقدم تصنيفها إلى ناشئة مدعومة بتحسن آفاق النمو. وهذا يعيدنا إلى مفهوم “الأسواق المالية الناشئة” الذي توصف به السوق التي دخلت عملية نمو وتطور بشكل يجعلها جاذبة بالنسبة للمستثمرين من حيث حجمها وتطورها التشريعي ونضج الممارسة فيها على نحو يرتقي بها من سوق “مبتدئة” ويفتح الآفاق أمامها لتكون سوقاً “متقدمة”، فكل سوق مالية تمر بتلك المراحل حتى أن السوق الأمريكية كانت في بدايات القرن العشرين تعتبر سوقاً ناشئة بالنسبة للمستثمر البريطاني.
وبالرغم من أن الأسواق المالية الناشئة تتسم بالتطور السريع إلا أنها تعاني بشكل عام من قلة الكفاءة في التنظيم وضعف المنظومة القانونية، وتواضع مستوى الإفصاح والشفافية، وعدم صرامة القوانين في حماية المستثمرين أو المدخرين خاصة فيما يتعلق بمرونة عمليات تحويل رؤوس الأموال والأرباح وإعادتها. وهذا يجعل السوق المالية السعودية أمام تحديات تتطلب تخطيطاً شمولياً لضمان تجاوز تلك الصعوبات، واستدامة الإنجازات والنمو الحقيقي.
إن قرار مجلس الوزراء بفتح أكبر سوق للأسهم في الشرق الأوسط للاستثمار المباشر من قبل المؤسسات الأجنبية يأتي تأكيداً على دور المملكة باحتلالها المرتبة الثالثة عربياً والـ 24 عالمياً في مؤشر التنافسية العالمي للعام 2014/2015، وتتويجاً للمكتسبات التي حققتها المملكة في سوق الأوراق المالية، ابتداء من إنشاء هيئة السوق المالية في 2003م حيث كان لها الأثر البارز في نضج التجربة المحلية ومواكبة المواصفات الدولية في فترة تعد قياسية في حجم الإنجازات، حيث حصلت السوق المالية السعودية على تصنيف رقم 21 ضمن البورصات العالمية، متقدمة على بورصة ماليزيا والمكسيك وموسكو.
كما استطاعت الهيئة أن تغير من ثقافة في السوق المالية ومستوى الإفصاح والحوكمة فيها على نحو يضعها في مرتبة متقدمة جداً عمّا كانت عليه في السابق من خلال التميز المؤسسي في إدارتها الداخلية وتطوير كوادرها البشرية، وتأهيل مؤسسات السوق المالية، ورفع مستوى ومتطلبات الإدراج والإفصاح، واستدامة تطوير السوق المالية، وتعزيز حماية المستثمرين.
واستكمالاً لسلسة نجاحات هيئة السوق المالية، فإن الهيئة تسعى إلى استثمار فتح السوق السعودي للاستثمار الأجنبي لتحقيق عديد من الأهداف تتمثل في تعزيز الاستثمار المؤسسي في السوق المالية الداعم لاستقرار سوق الأوراق المالية والحد من التذبذب فيها، ونقل المعارف والخبرات للمؤسسات المالية المحلية والمستثمرين، والرفع من مهنية المشارك في السوق المالية، ورفع أداء الشركات المدرجة ولا سيما في جانب الافصاح عن المعلومات المالية، وكذلك رفع أداء الشركات الاستثمارية المتخصصة، ورفع مستوى البحوث والدراسات والتقييمات التي تجرى عن السوق مما يوفر لجميع المتعاملين معلومات أكثر دقة وتقييمات أكثر عدالة. تأتي هذه الأهداف لتؤكد سعي هيئة السوق المالية لتنفيذ خطتها الاستراتيجية وتحقيق رؤيتها بأن تكون السوق المالية السعودية سوقاً رائدة تحوز على ثقة المستثمرين وتتسم بالعدالة والكفاية والشفافية في معاملات الأوراق المالية.
إن فتح سوق الأوراق المالية السعودية للاستثمار الأجنبي يأتي مكملاً لخطوات تدريجية من شأنها ضبط إيقاع السيولة الخارجية، والتأكد من جاهزية المؤسسات المالية لتلك التعاملات وسط مراقبة حذرة من تدفق الأموال الساخنة (Hot Money) ففي عام 1999 سمحت مؤسسة النقد العربي السعودي للأجانب بالاشتراك في صناديق الاستثمار المحلية، واستمر الحال كذلك حتى عام 2006 حينما صدر الأمر بالسماح للأجانب المقيمين الاستثمار المباشر في أسهم الشركات المدرجة. وفي عام2007 سمح للأجانب غير المقيمين بالاستثمار في جميع صناديق الاستثمار، وكذلك سمح لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي بالاستثمار المباشر في أسهم الشركات المدرجة. وبعد تلك المراحل أصدرت هيئة السوق المالية عام 2008 تعميماً يقضي بالسماح باستثمار الأجانب غير المقيمين عبر اتفاقيات المبادلة (Equity Swap Agreements) وسمح للمستثمرين الأجانب المقيمين بالاستثمار في عام 2010 حين أطلقت صناديق المؤشرات المتداولة، وفي عام مايو 2015 أصدرت الهيئة القواعد النهائية المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في الأسهم المدرجة، وكان 15 يونيو يوم افتتاح سوق الأوراق المالية أمام المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة على نحو يؤهل المستثمر الأجنبي من تسجيل الأسهم باسمه والتمتع بحق ملكية الأسهم وما يترتب عليها من مزايا، على خلاف الاستثمار عن طريق اتفاقيات المبادلة التي تعادل 1.16% من القيمة السوقية للسوق السعودي.
توقع مراقبون أن تتدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات إلى سوق الأوراق المالية السعودية بعد فتح أبواب الاستثمار الأجنبي المباشر للمؤسسات المالية، وبدا واضحاً من أول يوم اقبال المستمثرين على أسهم شركات معينة من شأنه أن يضع الشركات المدرجة أمام تحديات في الحوكمة، ويضع هيئة السوق المالية أمام مسؤليات مضاعفة للاضطلاع بدروها الرقابي، وحماية المستثمرين، وتعزيز الفصل في المنازعات بسرعة وكفاءة، فأداء سوق الأوراق أصبح مراقباً دولياً ولعل الملاحظ لأداء سوقي الهند والصين قبل وبعد السماح بدخول المستثمرين الأجانب المؤسساتيين ليعرف أن الحصول على وصف “سوق ناشئة” يتطلب بذل المزيد من الاهتمام لتحقيق الأهداف من الاستثمار الأجنبي.
الهبوب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734