الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
دخلت اليونان في العقد الاخير في مرحلة تحول هامة في تاريخها المعاصر، فقد قادتها السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العقود الاربعة الاخيرة، الى حافة هاوية الافلاس ، وبدأت الشرارة الأولى لهذه الأزمة في عام 2004 عندما تم الإعلان بأن اليونان لم تكن مؤهلة منذ البداية لتكون ضمن المصرف النقدي الأوروبي الموحد، وذلك لأن البيانات الاقتصادية التي أُعطيت للجهات الأوروبية المسؤولة آنذاك تم تزويرها وأعطيت عوضًا عنها معلومات خاطئة عن صحة أداء الاقتصاد اليوناني. في أكتوبر عام 2009 اعترفت الحكومة اليونانية الجديدة بأن الحكومة السابقة قد زيفت الحسابات القومية، وأن الحكومة الحالية تعاني من عجز في الميزانية، ثمّ تخطت الأزمة ذروتها مع وصول عجز الموازنة في اليونان إلى 13% من الناتج المحلي وهذا يمثل خمسة أضعاف ما هو مسموح به في منطقة اليورو. والآن تدين اليونان لصندوق النقد الدولي بحوالي 5% من ناتجها القومي، وبحوالي 70% للصندوق الأوروبي، وبالتالي فالجزء الأكبر من ديونها لصالح المؤسسات الرسمية للاتحاد الأوروبي. مما أنتجت ازمة مالية خطيرة انطلقت فعلياً في العام 2009 ولا تزال مستمرة حتى اليوم. وانقسمت القوى السياسية اليونانية بين مؤيد للاقتراض من منطقة اليورو والمصرف المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، واللجوء الى الية الاستقرار المالي الاوروبي، ومعارض لذلك بحجة ان شروط عقدي الاقتراض، تؤدي الى خسارة اليونان لسيادتها الوطنية وتمنع استدامة خدمة الديون السيادية. وفيما الجميع يتحدث عن المصلحة الوطنية، يتطلع كل فريق منهم الى أهدافه الحزبية . وأول قرض ابرمته اليونان في تاريخها المعاصر كان مع الحكومة البريطانية في العام 1823، قبل أن تحصل على قروض أخرى خلال الحقبات المتتالية.وسبق لها ان أشهرت افلاسها اربع مرات في الأعوام 1827- 1843- 1893- 1932. وذلك لأسباب عدم ايفائها بمستحقات ديونها في كل المراحل . • اهم اسباب الازمة : ١- الفساد السياسي والقضائي وعدم الشفافية في المبادلات المالية والتجارية والاستثمارية العامة والخاصة، بحيث تشابك العامل السياسي بالعامل الاقتصادي، وطوع كبار رجال الاعمال الطبقة السياسية الحاكمة في خدمة مصالحهم المالية. 2 – ارتفاع نسبة الانفاق على برامج التسلح الى 6.5 % من حجم الناتج الوطني (230 مليار يورو) . 3 – التهرب الضريبي، وهي مشكلة تعاني منها اليونان منذ تاريخ تأسيس الدولة ، قوانين الضرائب في دول الاتحاد الاوروبي ، تتراوح ضريبة الدخل من 10 الى 15 % فيما تبلغ نسبتها في اليونان 35 الى 40 % . فعدم اعتماد نظام ضرائبي موحد في دول الاتحاد الاوروبي كان احد الأسباب الجوهرية للتهرب الضرائبي. 4 – سوء إدارة موازنات الدولة والفساد المتعدد الأبعاد، من رشوة وتهرب ضريبي، وعمولات غير مشروعة، وارتفاع عدد الموظفين في القطاع العام، وانخفاض الانتاجية. 5 – سوء ادارة المصارف اليونانية، وتفشي الفساد فيها عن طريق منح ديون الى رجال الاعمال والقطاع الخاص من دون استيفاء شروط منحه . 6 – الارتفاع القياسي لنسبة البطالة عن العمل منذ اندلاع الازمة ، فقد ارتفعت نسبة البطالة بنهاية شهر أغسطس 2013 إلى 27.6 بالمائة، أي ما يعادل مليون وثلاثمائة وأربعة وسبعين ألف مواطن ،وفقاً للتقرير الصادر عن لجنة مشتركة من هيئة الإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للحكومة اليونانية. 7 – ازمة النظام التقاعدي، وزيادة عدد المتقاعدين، بنسبة بلغت 27.34 % من اصل عدد السكان، وفقا لاحصاء عام 2011، أي ما يعادل 3 من اصل عشرة مواطنين. وتشير بيانات نظام دفع المعاشات التقاعدية “هيلوس” الى ان عددهم يبلغ 2.707.727 متقاعدا. كما ادت العمالة السوداء الى خسارة فادحة في دخل صناديق الضمان الاجتماعي . 8 – سوء الخدمات الطبية، وهدر اموال المضمونين صحيا عن طريق الفساد المالي القائم بين شركات الادوية ومدراء المستشفيات العامة والاطباء العاملين فيها، في زيادة مشكلة الصناديق، مما رفع قيمة استهلاك الادوية الى حوالي 2.5 مليار يورو سنويا. وتشير كل الدلائل الى ان اليونان وقعت في دوامة الدين العام، ولا يمكن الخروج منها إلا بحل سياسي جريء. ويعتقد العديد من المحللين بأنه حتى ولو نجحت اليونان في تنفيذ برنامج الخصخصة وبيع الاملاك العامة، فلن تفلح في العودة الى الاسواق المالية في المستقبل القريب ،لا بل كل ما تفعله في الوقت الحاضر سيؤدي الى اعلانها التوقف عن تسديد ديونها العامة. وتمثل اليونان 1% من الناتج الأوروبي بالإضافة إلى 2% من الصادرات الأوروبية، بالتالي الناتج المحلي الإجمالي لدولة اليونان 3% من الناتج القومي لمنطقة اليورو. وبحسب قوانين الاتحاد الأوروبي وقوانين منطقة اليورو أيضًا لا يوجد شرط معين يقول “أنه مع وجود أزمة مالية تخرج الدولة”. • من المستفيد من خروج اليونان من الإتحاد الأوروبي ؟! بافتراض أسوأ السيناريوهات، وهو خروج اليونان نهائيًا من منطقة اليورو، فهذا لن يفيد أوروبا كثيرًا، فحينها لن تكون اليونان ملزمة بتسديد ما عليها من ديون، بالتالي الأفضل لأوروبا ماديًا عدم خروج اليونان على الأقل في الفترة الحالية. أيضًا، قد تلجأ اليونان بالفعل إلى مساعدة من روسيا، المنافس الأول للأوروبيين، بالتالي تفوز روسيا بحليف سياسي جديد من الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن أن الصين تستطيع تقديم المساعدة الاقتصادية لليونان للتعافي من أزمتها، ما يضع الصين في مرتبة أعلى كقوة اقتصادية عالمية. وفي النهاية لا يمكننا التأكيد على أيٍّ من السيناريوهات المطروحة، فتطبيق أيّ منها سيكلف الجميع. الأسابيع القليلة القادمة ستحمل الكثير الذي قد يغير في مسار قوى الاقتصاد العالمية، هل ستؤثر هذه الأزمة على الاتحاد الأوروبي أم تتعافى؟. وفا
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال