الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مستشار قانوني
«القوانين كالبشر تهرم وتشيخ» مقولةٌ تحكي قناعةً دوليةً تترجمُ بمراجعةٍ دوريةٍ للقوانين والسياسات؛ لتتلائم مع واقع متغير، فكيف بمتغيراتِ أسرعِ الأسواق وتيرةً وأكثرها تذبذباً. فالأسباب والظروف الموجبة لإصدار القانون ليست ثابتةً أو جامدةً إلا إذا قلنا أن قراءة الفترة الزمنية لم تتغير. إنَّ مراجعة القوانين أحد معالم الإصلاح القانوني التي تهدف إلى تعزيز العدالة والكفاءة، واقتراح السبل التي ترتقي بتطبيقات القوانين. كما أنَّ الإصلاح القانوني الشامل يستهدف أيضاً إصلاحاً قضائياً، وهيكلياً لمضمون التشريعات وما يتربط بها لتحديث منظمومة متكاملة المعالم تُحفّز الاقتصاد الوطني وتواكب المتغيرات الدولية.
إنَّ الأسواق المالية المتقدمة تفتخر بأخطائها التي ترشدها للإصلاح، فلجنة الاوراق المالية والبورصات الأمريكية «SEC» تنشر الدروس المستفادة من أخطائها للعموم، وتشاطرهم مرئياتهم في مؤتمر سنوي من أجل إصلاح التشريعات، وإدخال تحسينات على التقارير المالية. وقد استفادت البورصة من تلك الملاحظات لتحسين مستوها من خلال التعرف على الهفوات والفجوات التنظيمية، وتجنب العديد من المخالفات التي أدت إلى الأزمات المالية. والـمُطلع على لوائح قانون الخدمات المالية البريطاني ودليل هيئتها التفصيلي «FSMA Act 2000 & FCA and PRA Handbooks» ليجد أن التحديث مستمرٌ ويتناغمُ مع وقع السوق المالية ووتيرة التعاملات.
في 02/06/1424هـ 31/07/2003م صَدرَ نظام السوق المالية الذي ناهز 12 عاماً من تجربةٍ ثريةٍ كشفت عن تحديات تشريعية في ممارسة هيئة السوق المالية لصلاحياتها، حيث لم تُسعف بعض نصوص اللوائح التنفيذية تغطية عورات النظام المكشوفة، أو تغطيتها له بنصوصٍ تَتَزيد عليه أو تُنقصُ منه. كمَا أن التطبيقات القضائية أفرزت تفسيرات لنصوص تحتاج إلى مراجعة. علاوةً على أن قراءة واقع السوق قد تغيرت، حيث تستعد شركة السوق المالية السعودية «تداول» لطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، والذي يتطلب قراءة أدق ونظرة أعمق لمستوى تنسيق الصلاحيات بين مجلس الشركة وهيئة السوق المالية منعاً للتداخل أو الازدواج، وعلى نحو يعطي ديناميكيةً وتآزراً « Dynamic& Synergy» يخدم السوق المالية التي أضحت مفتوحة للاستثمار الأجنبي الذي يُقيّم مستوى كفاءة السوق ومؤسساته.
نظام السوق المالية الحالي يعالج سوق أو بورصة الأوراق المالية دون تنظيم سوق المال أو السوق المالية «Financial Markets» بمعناها الواسع الذي يُطلق على التدفقات المالية في المجتمع سواء كانت لآجالٍ قصيرة، أو متوسطة، أو طويلة، بين أفراده ومؤسساته وقطاعاته، والذي يتكون من 3 عناصر: سوق النقد «Money Markets»، وسوق رأس المال «Capital Markets»، وسوق الأوراق المالية «Stock Exchange». فهل تسمية النظام بالمعنى الواسع مقصودٌ مستقبلاً أم أن الرؤية أصبحت أكثرَ تحديداً لما تشمله صلاحيات هيئة السوق المالية لتكون هيئةٌ تشرف على الأوراق المالية فقط؟ هذا التساؤل سيقود إلى حسم كثير من الاختصاصات المتداخلة كالإشراف على تجارة العملات الأجنبية «FOREX»، والمتاجرة بالأوراق المالية الدولية، والمتاجرة بالمؤشرات النقدية والعقود الآجلة «FTSE» وعقود فروقات «CFD» وصنادوق التوظيف الجماعي بالتسنيد «FPCT»، وعقود التوريق «Securitization» ، وغير ذلك مما يتطلب حماية للمستثمر في السوق المالية بمفومه العام.
كَشَف السوق عن سلوكيات لأفراد السوق ومؤسساته تتطلب تنظيماً جديداً يعالج الخلل ويصوب الزلل. فكم من الشركات المدرجة في السوق تعرضت لهزاتٍ ماليةً أعادت التفكير ملياً لهيكلية السوق إلى سوق أولية وثانوية، وتوضيح معالم كل منهما، ومدى الحاجة للتنسيق مع وزارة التجارة لإنشاء «حاضنة» لمراقبة وتنمية الشركات العائلية والشركات التي تحصل فيها اندماجات، أو تلك الشركات الكبرى التي لها أثر على الاقتصاد الوطني. لأن المراقبة المؤسسية تحمي الشركات من الفساد، والإفلاس الذي يتعدى أثره على الاقتصاد الوطني.
إن الرجوع لسجل ممارسات 12 عاماً سيكشف بلا شك عن «ضرورةٍ» لتحديث نظام السوق المالية لوائحه التنفيذية. فهناك عدة مؤشرات جديرة بالتأمل من شأنها إيضاح معالم التحديث منها: مدى استشراف النظام لواقع السوق المالية وموائمته لخطة التنمية العاشرة، وتوافقها مع استراتيجية الدولة بعيدة المدى لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي وتعزيز مصداقية المعاملات المالية، ومدى تكامله مع مفهوم الوحدة الاقتصادية لدول مجلس التعاون، ومدى كفاية النصوص القانونية لتخويل الهيئة لممارسة صلاحيتها بلا تعقب من القضاء، ومدى وضوح معايير الإفصاح وتناسبها لطبيعة القطاع من خلال مراجعة لمسببات الغرامات، ومدى المرونة الكافية في التعامل مع حالات الشركات المتعثرة مالياً وتوافق ذلك مع السياسات العامة لنظام الإفلاس، ونظام الشركات الجديد المترقب صدوره.
يَنظِمُ نظام السوق المالية عِقدَ قَواعد قانونية لها عدة تفسيرات كشفت السنوات الماضية تبايناً في تفسير بعضها. حيث لم تُنشر المذكرات الإيضاحية لنظام السوق المالية بحيث تُسهم في إيضاح التفسير التشريعي Legislative Interpretation، فأعملت الجهة الإدارية «هيئة السوق المالية» اجتهادها Administrative Interpretation في تفسير بعض النصوص، وجدت أحياناً تفسيراً مختلفاً أمام القضاء Judicial Interpretation أثناء نظر واقعة معينة، في حين توجد تفسيرات فقهية/أكاديمية Doctrinal/ Jurisprudential Interpretation تعتمد على الممارسات العالمية ذات المرجعية «الأنجلوسكسونية» للنظام ولوائحه. وهذا التباين فرصة لتحديث النظام مبنى ومعنى لرفع الغموض والإبهام حتى لا ينعكس ذلك على تطبيقات السوق المالية.
إنَّ المطلع على الخطة الاستراتيجية لهيئة السوق المالية «2015/2019» يفتقد استهدافها لمراجعة البنية التحتية التنظيمية للسوق المالية أو المرجعة الشاملة لنظام السوق المالية. فعموم صلاحيات الهيئة في النظام والتي منها «حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو التي تنطوي على احتيال، أو غش، أو تدليس، أو تلاعب”، لا يسعف بعضاً من مبادرات هيئة السوق المالية لحماية السوق في ظل اشتراك عموم هذه الصلاحية مع جهات تنفيذية أخرى.
يُعد الإصلاح التشريعي لأنظمة السوق المالية أحد المؤشرات الرئيسية لقياس كفاءة أداء السوق المالي السعودي وذلك من خلال اختبار البنية التحتية التشريعية التي تُعد أساس الإصلاحات المؤسسية، وطريقاً لتتبوأ مكانة متقدمة في أسواق المال العالمية.
الهبوب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال