الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
باحث أكاديمي في الموارد البشرية ومبادرات توطين الوظائف
ABDULLAH_0026@
“بمشي حالي بالوظيفة ذي لين الله يرزقني وظيفة حكومية”!، “ماني مرتاح نفسيا وخايف أنفصل في أي لحظة”!، “خلصت دراسة ولكن بجلس بالبيت لحد ماحصل وظيفة حكومية”!
بداية لي عدة وقفات مع هذه الظاهرة !!!
الوقفة الأولى: أساس وجذور المشكلة
لو رجعنا بالتاريخ الى الوراء الى بداية السبعينات الميلادية تقريبآ، وتحديدا الثورة الإقتصادية (الطفرة) التي جلبها البترول أحدثت تغيير جذري في تركيبة المجتمع السعودي.
بسبب تلك الثورة الإقتصادية وإنفجار المشاريع والبنية التحتية وبسبب قلة عدد الأيدي العاملة الوطنية في ذالك الوقت، أضطرت الحكومة الى فتح باب الإستقدام على مصراعيه أمام القطاع الخاص بلا قيود. وبنفس الوقت كان هناك سياسات ترغب المواطنين بالإنخراط في القطاع الحكومي ومنها المرتبات عالية والمحفزات الكثيرة التي جعلت من يريد الوظيفة لايجد خيار آخر أمامه سوى الاستمتاع بتلك المميزات. وزيادة على ذالك ماكان يحدث أثناء الطفرة من سهولة الحصول على الهبات والعطيات وجميع مقومات الحياة من مسكن ومآكل ومشرب مما جعلت الحاجة للوظيفة امرا غير ملح.
في الحقيقة، تلك الممارسات مجتمعة كانت البذرة لثقافة إجتماعية نمت وترعرعت بمرور الزمن حتى أصبحت جزء من ثقافتنا الإجتماعية التي أصلت مبدأ “السعي وراء الوظائف الحكومية”. وللأسف هذه الممارسات بقيت حتى يومنا هذا رغم التغيير الجذري الذي حدث لمجتمعنا إقتصاديا وثقافيآ.
الوقفة الثانية: أسباب المشكلة الحالية
مثل ما ذكرنا في اللمحة التاريخية فالأسباب التاريخية واضحة ولكن مالايمكن فهمه أنه رغم التحول الإقتصادي وحاجة بعض الشباب للعمل بقيت هذه الظاهرة وحتى أنها وصلت لتفضيل بعضهم البقاء عاطلا على أن يعمل في القطاع الخاص ولعل من أبرز الأسباب مايلي:
1- ربط وظائف القطاع الخاص بضغط العمل وضعف الأمان الوظيفي، وتصور أن جميع وظائف القطاع الخاص تتطلب ضغط عالي وعدم راحة ولاتعطي أمان وظيفي كافي.
ربما كان السبب وراء هذا التصور الشائع هو أن هناك نسبة ليست بالبسيطة من الباحثين عن عمل يفضلون الإسترخاء بعد توظفهم وأقصد بذلك أنه لايوجد عزيمة على الإنجاز والعطاء وتحويل ماتم دراسته وتعلمه الى ممارسات وظيفية كما هو مفترض من داخل جديد لسوق العمل. ولعل مايضمن هذا الإسترخاء هو الوظيفة الحكومية التي في تصور البعض أنه لايوجد فيها جهد وظيفي بعكس الخاص والأمان الوظيفي عال جدآ.
2- ضعف رواتب المهن الأساسية والضرورية في القطاع الخاص، وأقصد بالضرورية تلك المهن المتوفرة التي لاتحتاج مهارات عالية ولاشهادات والتي من ضمنها الحرفية المسيطر عليها من قبل الأجانب حاليا وبنسبة عالية جدا. فعلى سبيل المثال إذا مواطن يحمل مؤهل ثانوي طلب منه العمل في أحد الشركات بمهنة حرفية براتب 2000 ريال دوام كامل، فغالبا لن يقبل بها لأن الوظيفة الحكومية ستعطية الضعف أو أكثر لو وجدها، فبالطبع سيفضل إنتظار هذه الوظيفة الحكومية والبقاء عاطلا أو حتى الإعتماد على إعانة العاطلين عن عمل “حافز”.
3- عدم المرونة في العمل والتنقل بين المدن: هذه النقطة مهمة جدآ وتم ذكرها في أغلب البحوث المتعلقة بالبطالة ومعوقات السعودة . وذلك أن طالبي العمل في القطاع الخاص غالبا لايفكرون بالحصول على وظائف بعيدا عن أسرهم وسكنهم وحتى لو كانت براتب مجزئ.
ولعل هذا سببه القناعة بأن القطاع الخاص غير مجزئ ولايمكن أخذ الوظيفة فيه كوظيفة العمر. ومايثبت ذلك هو قبول التنقل بحرية لوظائف القطاع العام، فعلى سبيل المثال وظائف المعلمين والتي غالبا تبدأ بمئات الكيلومترات -إن لم يكن الآلاف بعيدا عن الأهل والأصدقاء والديار- ومع ذلك يكون عليها إقبال شرس مع علمهم المسبق أن لايمكن بأي حال من الأحوال حصولهم على الوظيفة في مدنهم أو قريبآ منها.
الوقفة الأخيرة: حلول المشكلة
لعلنا لاننكر أن هناك بعض التحسن، ولكن سأحاول هنا وضع بعض من الحلول المناسبة للمرحلة الحالية، ومن هذه الحلول:
1- التوعية بوظائف القطاع الخاص وبأهميتها في وسائل الإعلام وجميع القنوات المتاحة وإيصال فكرة أنها هي المستقبل وهي الأمان لإقتصادنا. ولعل هذا يكون حتى بإستهداف العينات المتوقع دخولهم سوق العمل قريبا مثل طلاب الثانوي أو الجامعات ممن أوشكوا على التخرج، وأقترح أيضا إضافة فترة تطبيقية لطلاب الكليات والجامعات خلال دراستهم وتكون إجبارية ومدفوعة الأجر لبعض التخصصات المهنية وغير المهنية المطلوبة لسوق العمل.
2- دراسة المهن الأساسية والتي فيها نقص حاد ووضع محفزات لها كزيادة الرواتب والبدلات. وزارة العمل قامت مشكورة بدور مهم ولكن أعتبره ناقص. فقرار زيادة الرواتب مثلا كان مهما جدا ولكن ينقصه الإستراتيجية الواضحه لكل المقصودين بالقرار والتي تضمن تطبيقه بسلاسة وتفادي المشاكل المحتملة ولا أعتقد أن هذا الأمر بالصعب مع تحول أكثر معاملاتنا إلى إلكترونية وإستخدامنا للتقنية بشكل كبير في معاملاتنا الحكومية. فيمكن إستخدام التقنية في تطبيق القرارات بطريقة سلسة وآمنة ودقيقة.
أخيرآ: لعل ماذكر هنا يلمس أساس المشكلة ويساهم ولو بشكل بسيط في حلها أو فهمها على الأقل ولعله مثل مايعلم الجميع أنه يستحيل مناقشة مشكلة ضخمة مثل هذه في عدد من السطور هنا. وأسأل الله أن يوفقنا جميعا ويعيننا على بناء وطننا ورد بعض أفضاله علينا وبنائه للأجيال القادمة بإذن الله.
العثمان
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال