الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما أجمل التكامل في الرأى والنظر بعين الاهتمام بما يفكر فيه الآخر، الذي يجب ألا يختم على أمره على أنه مخطئ دائما، ونحن في المملكة العربية السعودية لسنا بحاجة للتنظير كثيرا، أو استقاء الحجة بوسائل الاستيراد التي تعودنا عليها، فلنا من الإرث والمخزون الدستوري في كتاب الله وسنة رسوله وسير حكماء الأمة ما يغنينا عن كل شيء، والمولى -عز وجل- يقول وقوله الحق «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء» (النحل: 89) والإمام الشافعي الذي تشرب علوم الشريعة حتى شعت بنورها على قلبه وروحه، يقول لمن إحتار في أمر ما (لو ضاع عقال بعيري لوجدته في كتاب الله).
ومن هذا المنطلق، فإن من أنجح سبل رفع القيم المجتمعية وأرقى الوسائل للوصول إلى قناعات مشتركة مع أبناء المجتمع، هو النظر بعين الفاحص المجرد قبل الحكم على الأشياء، وعدم الانسياق التلقائي وراء المجالدة للطرف الآخر، والاستعجال لتطبيق بنود الأنظمة التي يجب أن تطبق، وهذا ما نراه ولكن يجب ألا ينتهي الأمر عند حد تطبيق العقوبة، بل أن ينظر للحلول متوسطة وبعيدة المدى، والمولى -عز وجل- يقول وقوله الحق «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى».
ومن أقوى وأوضح الأمثلة في هذا الإتجاه هو ما نراه ونسمعه في وسائل الإعلام من تفضيح الحاصلين على شهادات مزورة وخصوصا من جهات غير رسمية ومواقع اتصال مجتمعي تنقل من بعضها البعض، ونحن هنا نؤيد بقوة الرأي القائل إن انتشار الشهادات الوهمية بل مجرد وجودها هو سم قاتل في بدن المجتمع، يضربه في أخلاقه وقيمه وخطط تنميته وفيها من السوء ما فيها فيما يخص اعتلاء المناصب وتقرير مصائر الأجيال من حفنة من المتسلقين المزورين الذين غلبتهم شياطين أنفسهم، وطغت عليهم شهوات حب الشهرة واعتلاء المراتب اعتلاء يأباه الله ورسوله، ويزداد الأمر سوءا على سوء في مضاعفة لضرر مركب، إذا ترتب على تزوير الشهادة العلمية حجب منفعة عن أهلها أو نقل ضرر لمن يظن فيهم الخير، وتتركب المصائب تركيبا معقدا إذا كان المزور يحتل منصبا حكوميا كبيرا، هذا من جانب.
وفي الجانب الآخر، ومن منطلق القناعة التامة بضرورة اجتثاث هذه الحالة التي أصبحت ظاهرة، فإنه يستوجب على من يهمه الأمر في شق التعليم العالي في وزارة الوزير الدخيل فتح صفحة وطنية جديدة في التعامل مع هذه الظاهرة المؤلمة ولا أعني ما يتعلق بالجوانب الجزائية والتنفيذية، فهذا شأن وزارة الداخلية، ولكن أرمي بقوة إلى ضرورة تجفيف منابع الحصول على هذه الشهادات من خلال فريق عمل وطني نافذ، بيده صناعة القرار والتغيير الذي أراه قد تأخر كثيرا، ويمكن للدكتور الدخيل وزملائه دراسة الموضوع دراسة منهجية متعقلة.
ولن أسبق الحدث، لكن النظر في الأسباب بإجراء مقارنة إحصائية بيننا وبين إحدى الدول الغربية المتقدمة سيوضح بما لا يدع مجالا للشك أن التأخر الكبير والورع المبالغ فيه من قبلنا في المملكة فيما يتعلق بإتاحة الفرص للتعليم الإلكتروني، وهو فن مجرب وثبتت كفاءته في حال إتخاذ أسباب الجودة والتقيد بمعايير الإتقان، هو سبب أساس فيما يحصل، وهناك عدد كبير من جامعات العالم الراقية في الترتيب العالمي قد تبنت التعليم عن بعد، منذ زمن ولها من خيرة الخريجين ما يقلق كل محب لهذا الوطن، فيما يخص الأسباب الحقيقية وراء قفل الأبواب أمام من رأوا في أنفسهم طلبا للرفعة، وصدموا بالمحرمات التي أحيط بها الاستحصال على شهادة جامعية أو شهادة عليا بالطرق المشروعة، والتي تأخذ في عين الاعتبار عدم تفرغ هؤلاء أو قل جزءا كبيرا منهم مما فاقم الأوضاع وجعل للإعلام الغربي منفذا يبث من خلاله سلبياته علينا كما نقرأ فيما نشرته مجلة النيويورك تايمز والتي حددت في تقريرها 1198 سعوديا قد حصلوا على شهادات مزورة من جامعات أمريكيه، وأكثر من خمس هذا العدد من جامعتي نيكسون وأشلي، وهو أمر في تقديرنا يسهل مهمة الجهود المبذوله لإحباط هذه العمليات التزويرية المقيتة.
ومن الجدير بالذكر، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقع في المرتبة الأولى خليجيا بعدد 1217 شهادة مزورة، ورغم أن العدد أعلى مما هو في المملكة إلا أن نسبة الجامعات والمعاهد السعودية الأعلى بجميع المقاييس، والتي من المفترض أن تشبع رغبات الطامحين أو بعضا منهم للحصول على تعليم أعلى، يضعنا في المملكة في موقع اللوم، التي نرى وجاهتها في جوهرها بصرف النظر عن نواياها المحركة فقد آن الأوان لأن نفك خناقا غير مبرر لاستيعاب كل من أراد الاستعلاء في سلالم المعرفة في وجود بنى تحتية قادرة على استيعاب الجميع، والله أسأل سدادا وتوفيقا إنه على ذلك لقدير.
نقلا عن اليوم
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال