الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ان التفويض الذي حصل عليه رئيس الوزراء اليوناني لكسيس تسيبراس من الجمهور بعدم تقديم التنازلات التي يطلبها المقرضون قد أعاد لعبة الشد والجذب بين الدائنين والمديونين إلى نقطة البداية. وعلى ما يبدو لي فإنه من الصعب تحميل اليونان الأزمة التي وجدت نفسها فيها. فاليونان ليس البلد الأوروبي الوحيد الذي يعيش ويقتات على الغير. بل إن قروض اليونان إذا ما قورنت بديون فرنسا واسبانيا فإنها تعتبر منخفضة جداً. فالفرنسيون مطلوبون لغيرهم بأكثر من تريليوني يورو والاسبان 1.1 تريليون يورو. وفرنسا وإسبانيا واليونان ليسوا هم الوحيدين في هذا الشأن. فنسبة الدين العام في كافة البلدان الأوروبية تتعدى النسبة المتفق عليها 60% من الناتج المحلي الإجمالي. إذا حتى المانيا التي يعتبر أداء اقتصادها الأفضل في القارة يصل دينها العام إلى أكثر من 78% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وهذا الوضع غير الطبيعي يجد لنفسه جذورا ربما في التركيبة المالية الهشة للاتحاد الأوروبي. فبلدان هذا الاتحاد لديها بنك مركزي واحد ولكن ليس لديها وزارة واحدة للمالية. فالبنك المركزي يرسم سياسته النقدية للجميع في حين أن السياسة المالية تحددها وزارة المالية في كل بلد من بلدان الاتحاد. وهذا بالتأكيد يضعف من السياسة الاقتصادية التي يفترض أن تكون محصلة للسياسة المالية والنقدية. بل ان السياسة النقدية الموحدة للبنك المركزي الأوروبي هي محل تساؤل. فهذا البنك من غير الممكن أن يضع سياسة نقديه تناسب كافة البلدان الأوروبية. وذلك لأن المستوى الاقتصادي والدورة الاقتصادية في البلدان المشرف عليها ليست واحدة. فاليونان الذي تصل فيه نسبة الدين القومي إلى الناتج المحلي الإجمالي 172% من الناتج المحلي الإجمالي لو كان خارج الاتحاد الأوروبي لاتبع سياسة نقدية مغايرة عوم على أساسها سعر صرف عملته بما يتناسب وحساب ميزان مدفوعاته. فسعر صرف اليورو ومجمل السياسة النقدية المتشددة التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي من الواضح أنها لا تناسب بلدا اقتصاده متضعضع مثل اليونان ولكنها تناسب المانيا. فالسياسة النقدية والمالية المتشددة للاتحاد الأوروبي بكاملها مفصلة على المقاس الألماني. وهذه إحدى إشكاليات الاتحاد الأوروبي. لأن ما يناسب الاقتصاد الألماني القوي الذي يعيش دورته الاقتصادية الخاصة به ليس بالضرورة يناسب غيره من البلدان الأوروبية.
ان السياسة الاقتصادية المتشددة التي يطلبها الدائنون والبنك المركزي الأوروبي، والتي أبرز معالمها التقشف وخفض الانفاق، لم تساهم في حل أزمة اليونان وغيره من البلدان الأوروبية بل فاقمت العوز ورفعت حجم الدين العام الذي أصبح من غير الممكن تسديده دون الحصول على دين اخر جديد. وفي ظل هذه الديون المتراكمة للبلدان الأوروبية على بعضها البعض ولصندوق النقد الدولي عليها تبدو الأزمة اليونانية بمثابة بروفة لما سوف يحدث بين هذه البلدان في المستقبل. وهذا هو أحد أسباب مأزق اليونان. لأن أي تنازل سيحصل عليه هذا البلد اليوم سوف يعتبر بمثابة حق مكتسب سوف تطالب بمثله غداً إيطاليا، البرتغال واسبانيا وغيرها. ولهذا فدائنو اليونان وعلى رأسهم المانيا سوف يسعون جهدهم لتركيع أثينا وإجبارها على سداد آخر يورو مستحق عليها حتى لا يكرر بلد أوروبي آخر نفس السيناريو في السنوات القادمة.
نقلا عن الرياض
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال