الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مستشار قانوني
زكاة الفطر من شعائر الإسلام الظاهرة، لأنها زكاة للأبدان عن اللغو في رمضان. والمتأمل في حِكمتها يجد أنها مشاركة اجتماعية على المسلم المستطيع الذي يملك ما يزيد عن قوته وقوت عياله وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته لأخيه المحتاج. وبهذا المعنى الواسع فإن الغالبية العظمى من المسلمين حول العالم يلزمهم أدائها. وتشير الاحصائيات أن تعداد المسلمين اليوم تجاوز المليار والنصف بما يُشكل 23% من تعداد سكان العالم، وتشير دراسة أمريكية بأن عدد المسلمين سيصبح 2.8 مليار نسمة عام 2050م بما سيشكل 30% من سكان العالم.
وإذا ما نظرنا إلى تعداد المسلمين في العالم، مقارنةً بأداء هذه الفريضة فإن ذلك سيقودنا إلى حجم اقتصاديات تلك الشعيرة التي أُريد منها تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين حتى لا يبقى أحد يوم العيد محتاجاً إلى القوت والطعام وينشغل عن مشاركة فرحة العيد؛ ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم «أغنوهم عن طواف هذا اليوم». وبالرغم من اختلاف درجات الالتزام بالدين الإسلامي إلا أن الملاحظ أن غالبية المسلمين تدفعها للمحتاجين طيبةً بها نفوسهم، طواعيةً بلا إرغام أو متابعة من السلطات، بخلاف زكاة المال التي قد يتهاون بها عدد من المسلمين؛ مما يعني تحقق مشاركة واسعة من مسلمي العالم لزكاة الفطر.
ومما يؤسف أن تكون أعلى معدلات الفقر والتهجير واللاجئين هي من حصة المسلمين رغم كثرتهم، فلا يحتاج المسلمون حول العالم إلى «إعلان يوم عالمي للإنفاق الخيري»، فقد شرع الإسلام سنوياً شعيرة تكافلية في توقيت معين على نطاق واسع من أبناءه، لكن الخلل في إدارة تلك الشعيرة لتحقيق أهدافها. فقد باعدت الحياة المدنية أفراد المجتمع وغاب الصوت التكافلي داخل الأحياء فنشأت المؤسسات الخيرية كيدٍ أمينة ووسيطاً بين المتبرع والمحتاج، إلا أن ممارسات كثير من تلك الجهات تفتقد إلى تنظيم مؤسسي يواكب عمل لجان الغوث الدولية والممارسات الرائدة؛ مما يضمن إيصال تلك الشعيرة في التوقيت المحدد لها وهو 48 ساعة قبل يوم العيد. وبلاشك هو توقيتٌ محرجٌ لكثير من الجهات الخيرية التي لا تعلم مُسبقاً عدد المتبرعين ولا توجد لديها خطة توزيع الزكاة على المستحقين، وما إذا كان المحتاج موجوداً في ذلك التوقيت.
ولا تستغرب أن تطالعك وسائل الإعلام بخبر بيع أطنان من أكياس الرز في «الحراج» بعد رمضان، أو أنها لا تزال في مخازن تلك الجهات بعد رمضان دون وجود توكيل من المحتاج باستلامها، أو تلفها نتيجة سوء التخزين. ناهيك أن بعض المتبرعين يواجهون صعوبة في إيجاد الجهة الأمينة التي تبرأ به ذمة المتبرع بإيصال زكاته للمستحقين في التوقيت المحدد. من جهة أخرى، فإن بعض المحتاجين يضطر إلى سيولة في العيد لسد احتياجاته الضرورية فيقوم ببيع أكياس الرز بنصف أو ربع قيمتها للبائع الجشع الذي قد يعيدها للسوق، ولا تستغرب أن يٌباع ذات كيس الرز مرتين بعد التبرع به للمحتاج!
وحتى لا يَستغل ضعاف النفوس فرصة الإقبال الكبير على إخراج الزكاة تُكّلف الدولة ثلاث وزارات حكومية هي: وزارة التجارة والصناعة، والشؤون الإسلامية، والشؤون البلدية والقروية، لمراقبة ورصد بيع أنواع زكاة الفطر، في حين لا توجد جهة تراقب على أداء الجمعيات الخيرية لضمان التوزيع العادل وفي التوقيت المحدد.
ونظراً لأن غالب إخراج الناس لزكاة الفطر هو الأرز، فإنه التوقعات تشير إلى تحقيق موردي الأرز إيرادات تقدر بنحو 750 مليون ريال من مبيعات الأرز لزكاة الفطر، في ظل ارتفاع أسعار الأرز لتكون حصة الفرد الواحد قرابة 15 ريالاً لما يعادل 2.5 كليو؛ لذا لجأت عدد من البلدان الإسلامية التي تتبنى المذهب الحنفي إلى تحديد سعر رسمي لزكاة الفطرة نقداً يُلتزم به كحد أدنى.
ويتجدد الجدل الفقهي كل عام بين مؤيدي رأي الجمهور بوجوب إخراج زكاة الفطر طعاماً، وبين مؤيدي مذهب الحنفية بجواز إخراجها نقداً، وبين الرأي المتوسط بينهما بجواز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهو قول في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وعدد من المحققين المعاصرين، وهذا الرأي فيه مرونةٌ تناسب كل أوضاع العالم الإسلامي. فإن كان المتبرع يعرف محتاجاً أعطاه ما هو أنفع له وأنسب لحاجته من طعام أو نقد، وإن لم يعرف محتاجاً دفع القيمة لجمعية خيرية تتصرف بالوكالة عنه بالأحظ للمحتاجين المسجلين لديها، فإن فاضت التبرعات عن حاجتهم فيجوز لها نقل زكاة الفطر إلى بلدة أخرى إن كان هناك حاجة أو مصلحة.
وبالنظر إلى عدد سكان السعودية المقدر بــــ 30 مليون شخص بينهم 10 ملايين وافد، وبالنظر إلى إحصائيات البنك الدولي «عام 2012م» لنسبة الفقراء في السعودية بـــ 12,7%، أي بمعدل تقديري 2.54 مليون محتاج سعودي، فإذا احتسبنا أن زكاة الفطر تُكلف الفرد 15 ريالاً، وكان عدد القادرين على إخراجها قرابة 20 مليون قاطن في السعودية، فإن إجمالي زكاة الفطر في السعودية يتراوح بما معدله «50,000,000» خمسين مليون كيلو من الطعام، في مقابل ما قيمته من النقد «300,000,000» ثلاثمائة مليون ريال تصرف لحدود 2.5 مليون محتاج أي بمعدل 118 ريالاً للفرد الواحد. هذه المعادلة التقريبية تجعلنا نتصور اقتصاديات زكاة الفطر التي من المجدي التفكير ملياً في جدوى تراكم مئات الكيلوات من الأرز لدى بعض المحتاجين؛ مما يفوق حاجتهم الغذائية في ظل حاجة الأكثر منهم الماسة للنقد.
إنَّ شعيرة زكاة الفطر يجب أن تتطور بما يتلائم واحتياجات العصر سواء على مستوى المتبرع، أو المتلقي أو الوسيط بينهما. فالخيارات يجب أن تكون متاحةً لعموم المسلمين من نقد أو إخراج طعام، وتتطور وسائل دفعها عبر التقنيات الحديثة لضبط ومراقبة السيولة النقدية، والتأكد من وصولها لمستحقها في التوقيت المناسب، ومنع الفجوات التي قد تؤدي لإساءة الاستغلال أو تحقيق مصالح غير مشروعة، فالجمعيات الخيرية هي وكيلة للمتبرع لا تتصرف إلا وفقاً لتوجيهه في إطار زمني محدد. لذا تلجأ بعض الجمعيات إلى توقيع المحتاجين المسجلين لديها على توكيل تقوم بموجبه باستلام زكاة الفطر نيابة عنه سواء نقداً أو طعاماً فيستلهما متى شاء إليها أو يودعها عندهم ويستلمها بعد العيد.
وهذا يتطلب مراقبة دقيقة على ممارسات الجهات الخيرية من حيث قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في التوقيت المحدد، ووجود المخازن المناسبة، والتحقق من تحديث قوائم المحتاجين، والتحقق من وصولها إليهم في التوقيت المطلوب، فالممارسة الحالية لأكثر تلك الجهات عفوية وغير منظمة، ولا تلبي الغاية من الشعيرة، بل إن الموكل قد يخشى فوات وقتها الوارد في الحديث «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ».
الهبوب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال