الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اقتصادية سعودية
Ameerah_eco@yahoo.com
عاشت اليونان خلال الأشهر الماضية أوقات صعبة فإما تطبق شروط الدائنين أو أن ترحل بعيدة عن منطقة اليورو، وقد أظهرت اليونان عدم رغبتها في تطبيق هذه الشروط لفترة طويلة حيث شاكس اليونانيون بالرفض على صعيد الحكومة والمجتمع المدني –لأسباب تناولتها في مقالة سابقة- وباختصار فإن ماتشعر به اليونان على الدوام أن الدائنين يفرضون عليها املاءات معينة تمس سيادة بلادهم. ومنذ انتخابات الحزب اليساري الراديكالي في يناير من العام الحالي قطعت اليونان مع دائنيها شوطاً طويلاً من المفاوضات بين الشد والجذب وترك طاولة المفاوضات والعودة لها مرة أخرى حيث طغى على مجمل المحادثات تمسك الجهات الدائنة بشروطها واصرار اليونان على الرفض.
كانت الجولة الأخيرة من المفاوضات يوم الأثنين الماضي 13/يوليو/2015 هامة وحاسمة لتقرير مستقبل اليونان، وبعد محادثات منهكة توصل الجانبين إلى الموافقة على اعادة الهيكلة debt restructuring مقابل الامتثال للشروط التقشفية والمتبقي الآن هو عرضها للبرلمان اليوناني للمصادقة عليها خلال الأيام القادمة.
انتهت المفاوضات فاليونان ستبقى داخل منطقة اليورو،إلا أن الوصول لهذه الاتفاق مع الدائنين مجرد مرحلة انتقال من منطقة الإفلاس إلى مرحلة مليئة بالتحديات، وما يقلق الإقتصاد العالمي واقتصاديات منطقة اليورو هو مستقبل اليونان وامكانية تعثرها في السداد لاحقاً، فمالذي ينتظرها في المديين المتوسط والطويل وهل يمكن أن تتكرر هذه “الدراما الإغريقية” من سلسلة المفاوضات وحزم الإصلاحات في عام 2019 أو 2025 على سبيل المثال ؟ وإلى أي مدى ستستطيع اليونان تخفيض الدين العام ومن ثم استعادة قدرتها على تمويل نفسها .
من ناحية فنية و حسب ما أظهرته سنياريوهات صندوق النقد الدولي في مايو 2014 من المتوقع أن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج من 175%في نهاية 2013 إلى مايقارب 128% من الناتج المحلي في عام 2020ثم إلى 117% في عام 2022 م وهذا يشير إلى امكانية انخفاض الدين العام بـنسبة 33% تقريباً بحلول 2022م. ولا شك أن استجابة النمو للإصلاحات سيأخذ وقته وهذا أمر طبيعي في دولة يتجاوز فيها الدين العام إلى الناتج المحلي أكثر من المرة ونصف. وحسب مؤشرات الأداء الإقتصادي لليونان فإنه لا يوجد طرق قصيرة ولا مسارات معبدة للنمو، و لا يمكن توقع انتعاش اقتصادي في الأجل القصير وسيعمل برنامج التقشف على الحد من زيادة الدين العام و ثم تناقصه تدريجياً.
يشمل برنامج الإصلاح الإقتصادي الذي يطالب به الدائنون على خفض النفقات والتي يتركز معظمها في شكل نفقات جارية اضافة إلى العمل على خصخصة المزيد من الأصول لزيادات الإيرادات العامة ومن ثم الإستفادة من الفائض الأولي لسداد الديون. اضافة إلى ذلك، هناك اصلاحات أخرى قادرة على تعزيز النمو ليس ذات طبيعة تقشفية ولا تمس الأمان الإجتماعي بصلة كالعمل على سيادة القانون وتقييد التهرب الضريبي وتيسير اجراءات الحصول على تراخيص للمشاريع الاستثمارية. وهذه التطورات الإصلاحية التي تقترن بانخفاض في الأجور الحقيقية ستصب في صالح تحسين القدرة التنافسية للصادرات اليونانية وتنشيط القطاع السياحي من جانب آخر مما يدعم الإنتاجية الكليةTFP .
والخلاصة هو أن مايثير المخاوف حول مستقبل الإقتصاد اليوناني هو مدى التزامها بأجندة الإصلاحات والشك حول جدية التنفيذ. وما يُقترض على اليونانيين القيام به هو الإعتراف بالوضع الراهن واستغلال الظروف لتمكين نفسها و الإستفادة من “فرص ” الإصلاح لإعادة بناء الثقة في الإقتصاد، ولا يُنتظر أن تعمل الحكومة اليونانية بالإجراءات منفردة؛ لأن العمل في هذه المرحلة مشترك و المستقبل مشترك أيضاً فهناك حاجة ماسة للدعم و المؤازرة الشعبية في هذا المشوار الطويل. كلنا يدرك أن اجراءات التقشف قاسية ومؤلمة لأي بلد في العالم لكن إذا كان المقابل هو المستقبل تصبح التضحية بالرفاه ضرورة لا مفر منها ، والمؤكد في النهاية أنه لا يمكن انقاذ اليونان على الدوام ،ولكن يمكن اصلاحها لتدوم.
السملق
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال