الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
باحث أكاديمي في الموارد البشرية ومبادرات توطين الوظائف
ABDULLAH_0026@
في عصر باتت البطالة التحدي الأكبر لدول العالم أجمع. أصبح من أولويات الحكومات هو وضع استراتيجيات وسياسات فعالة لتأهيل العاطلين وتكافؤ الفرص بين المتقدمين لسوق العمل. من هذه السياسات ما يعرف بمبادرات توطين الوظائف أو السعودة بالمفهوم المحلي.
المملكة العربية السعودية منذ التسعينات الميلادية، بذلت جهودا كبيرة لدعم وتطوير مبادرتها التوطينية لتساعد في التخلص من الأعداد المتزايدة للعمالة الأجنبية التي أغرقت القطاع الخاص من جهة، ولمواجهة البطالة بين المواطنين من جهة أخرى. فالحكومة ممثلة بوزارة العمل أعدت خطط ووضعت استراتيجيات لاستبدال العمالة الأجنبية بالوطنية المؤهلة. منها تطوير التعليم والتدريب المهني وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة بهذه المبادرة من دعم مادي ومعنوي لمن يساهم بتوظيف المواطنين، وغيرها الكثير من السياسات الداعمة للتوطين.
ولكن !! يبدو أن هناك مشكلة كالسوسة استمرت في نخر إنتاج هذه المبادرات على مر السنين. إنها مشكلة التسرب الوظيفي التي طالما عانى منها صانع القرار وأرباب العمل على حد سواء. مشكلة التسرب تعد من أبرز تحديات سوق العمل، ليس على الصعيد المحلي، ولكن أيضا على الصعيد العالمي. فعلى سبيل المثال. التسرب الوظيفي له آثار سلبية كثيرة على جميع المستويات. فعلى مستوى صاحب العمل هناك تكاليف باهظة لاستبدال الموظف المتسرب بآخر، بالإضافة إلى تبعات أخرى كنقص في الإنتاجية وإرباك سير العمل. وحتى على المستوى الاقتصادي للدولة من أعباء مالية كبيرة.
المشكلة الحقيقية لدينا، هي أنه لايتم الاعتراف بالمشاكل وقت ظهورها ولكن تترك حتى تتضخم وتتفاقم ويصعب حلها. فمشكلة التسرب إن تم الاعتراف بها، فهو اعتراف على استحياء. وعلى حد علمي أن هذه المشكلة مازالت تعتبر مشكله ثانوية لاتستحق وضعها ضمن أولويات الخطط التوطينية. على سبيل المثال. قبل فترة ليست بالبعيدة، كان هناك تصريح لأحد مسؤولي صندوق تنمية الموارد البشرية، يذكر فيه أن نسبة التسرب من وظائف القطاع الخاص هي حوالي 30% وهي نسبة طبيعية على حد تعبيره. وفي نفس التصريح ذكر المسؤول أنه لا يوجد تسرب فعلي للموظفين في القطاع الخاص وأن ما يحدث هو مجرد تحرك وظيفي للبحث عن فرصة وظيفية أفضل أو الانتقال للقطاع العام.
وهنا تكمن المشكلة، فإذا كان المسؤول لايفهم معنى التسرب الحقيقي فهي مشكلة وإن كان يفهم ويعتقد أن هذا الأمر طبيعي فهي مشكلة أكبر. للأسف، مازالت أولويات صانع قرارات التوطين هي فقط الزج بطالبي العمل في أي وظيفة بالقطاع الخاص وإجبار القطاع الخاص على قبولهم حتى لو كان ذلك سيكلف صاحب العمل الكثير. فما نجده الآن من تهرب أو تحايل كثير من أرباب العمل على سياسات السعودة هو نتاج طبيعي و ردة فعل متوقعة جدا. فمادامت سياسات التوطين تحاول حل مشكلة البطالة رقميا لا كيفيا، فأتوقع أن هذه المشكلة سوف تتفحل لتدمر كل جهود التوطين.
أخيرا: ما نريده من صاحب القرار قبل تطبيق أي سياسة توطينية هو بحث آثارها على كل من سيتم تطبقها عليهم من قطاع خاص ومواطنين وحتى العمالة الأجنبية. فهذا النجاح المزعوم لسياسة التوطين ما هو إلا نجاح رقمي لم يحل مشكلة البطالة ولكن ساهم بتعقيد المشكلة وتسبب بتدمير كثير من شركات القطاع الخاص التي كانت من المفترض أن تكون بيئة صالحة لاحتواء كثير من المواطنين من جهة ولدعم الاقتصاد المحلي من جهة أخرى. فنجاح سياسة التوطين من المفترض أن يكون نجاح لكامل منظومة القطاع الخاص التي بدورها سوف تبقي وتدعم الدورة الاقتصادية للوطن.
العثمان
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال