الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
محلل مالي في شركة استشارات مالية عالمية
طالعتنا هذا الأسبوع دولة الإمارات بقرار “تحرير أسعار الوقود” ووقف دعم الدولة لمشتقات الوقود وربطها بالأسعار العالمية وهو قرار اقتصادي جيد وممتاز من الناحية المهنية, حيث يعمل القرار على تعزيز إحترافية الإنفاق الحكومي وتوجيهه نحو الإنفاق الرأسمالي المستدام وإيقاف مصدر من مصادر الهدر المالي الغير مستدام والمتمثل في الدعم الحكومي لفرق السعر بين العالمي والبيع المحلي.
وحيث أن هذا القرار له العديد من المسوغات والأسباب الوجيهة وكان من حسن الإختيار تطبيقه في هذا التوقيت المناسب من الناحية الإقتصادية والاجتماعية حيث إستمرار إنخفاض أسعار البترول واستقرار التضخم في الدولة.
وإن هذا التوجه قد لا يعمل في جميع الدول الخليجية بنفس الكفاءة والأهمية فكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي خصوصيتها الإجتماعية والإقتصادية. فمثلا في دولة الإمارات يقيم أكثر من 8 ملايين أجنبي يمثلون أكثر من 85% من مجمل السكان وهذه النسبة الكبيرة المقيمة بشكل مؤقت كانت تتمتع بالدعم الحكومي لأسعار الوقود بشكل غير مبرر.
لذلك كان القرار صائباً من ناحية حماية موارد الدولة وتوجيهها نحو مواطنيها ومستحقيها الاصليين. وبشكل سريع فإن من مبررات القرار أن في الإمارات شبكة نقل عام متطورة تساعد على خيار التحول نحو النقل العام في نفس الوقت لكثير من الفئات الإجتماعية وإيضا عدم وجود مسافات طويلة بين الإمارات والمدن.
إن هذا القرار يثير موضوع لازال محل جدل في كل موجة هبوطٍ وإرتفاعٍلأسعار البترول وهو زيادة أسعار الوقود في المملكة والتوجه نحو إلغاء الدعم الحكومي, لكن المبررات والمطالبات تفتقد لأولويات الإصلاح الهيكلي للدعم الحكومي في السعودية, فالنسبة الكبرى لسكان المملكة هي من فئة المواطنين وخصوصاً الشباب (الطلاب) وترتبط مدن المملكة الشاسعة بشبكة طرق سريعة لازالت هي الخيار الاول للمواطن للتنقل والعمل والسفر في ظل تواضع خدمات النقل الجوي وعدم تواجد قطارات سريعة بين المدن وكذلك شبكة نقل عام متطورة في المدن الرئيسية.
وهذه الاسباب كفيلة بصرف النظر عن التفكير في إلغاء الدعم الحكومي لأسعار الوقود في الفترة الحالية لما لها من أضرار إقتصادية وإجتماعية كبيرة على شريحة كبرى من المجتمع وعدم أولويتها في الإصلاح الهيكلي للدعم الحكومي في المملكة.
وحيث أن المطالبين بإلغاء الدعم الحكومي للوقود بالمملكة يستشهدون دائماً بإرتفاع الإستهلاك المحلي للنفط والذي يشكل حالياً أكثر من 2 مليون برميل يومياً وبلاشك أن هذا يعد إستنزافاً كبيراً لمورد البلاد ومصدر الدخل الرئيسي في ظل عدم تفعيل آليات حازمة لرفع كفاءة الإستهلاك والتقنين. ولقد إستشعرت الدولة هذا الخلل الكبير وقامت بعدد من الخطوات للعمل دون النمو الكبير في الإستهلاك المحلي حيث تم في عام 2010م تأسيس المركزالسعودي لكفاءة الطاقة (كفاءة) والذي يهدف بحسب تعريفه إلى ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، وتوحيد الجهود بين الجهات الحكومية وغيرالحكومية في هذا المجال. وللمركز العديد من النشاطات والبرامج والحضور الإعلامي المميز في التوعية والإرشاد وسن الضوابط. وكذلك أصدرت وزارة الشؤون البلدية والقروية قراراً بإلزام تطبيق العزل الحراري لجميع المباني سواء كانت سكنية أو تجارية أو أي منشأة أخرى في 24 مدينة سعودية كمرحلة أولى وكذلك اتخذت وزارة التجارة والصناعة العديد من القرارات في شأن منع إستيراد المكيفات المخالفة للمواصفات القياسية السعودية والتي تتطلب كفاءةاستهلاك الطاقة وغيرها الكثير من المبادرات المحمودة لتخفيف النمو المضطرد في الإستهلاك المحلي للنفط.
لكن الوقت حان لإتخاذ قرارات حاسمة وجوهرية وإجراء إصلاح هيكلي لألية الدعم الحكومي للطاقة هي أجدى وأولى من إلغاء الدعم الحكومي للوقود, فعلى سبيل المثال يجب مراجعة نظام الكهرباء بالمملكة بإجراء تسعيرة خاصة للوافدين سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات, وفي هذا تقنين فعلي ومنطقي للدعم الحكومي وكذلك إعادة النظر في حجم الدعم الحكومي لوقود الشاحنات (الديزل) وأسعار اللقيم الموجهة للشركات البتروكيماوية وكذلك أسعار الكهرباء الموجهة للقطاعات الصناعية. وهذه القطاعات بحسب الارقام الرسمية من شركة الكهرباء السعودية هي الأكثر إستهلاك للطاقة بالمملكة من غيرها.
فالأولوية لإصلاح آلية الدعم الحكومي للطاقة إذاً تتمثل بإلغاء الدعم الحكومي لغير السعوديين وتقنين الدعم الحكومي العام ليتم توجيهه للفئات الأجتماعية الأكثر حاجة للدعم من قطاعات ربحية وإقتصادية قائمة وقادرة على العمل في مختلف الظروف والأسعار.
ريان
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال