الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أستاذ المالية والتأمين الإسلامية المساعد
Aysha_AlSalih@
لطالما ينظر إلى التحوط على نطاق واسع على أنه مختلف عن مفهوم التأمين على الرغم من أن مفهومي التحوط والتأمين يخدمان أغراض مماثلة، حيث يعرَّف مفهوم التأمين على أنه استراتيجية إدارة المخاطر المستخدمة للتعويض عن الآثار الناتجة عن حدث سلبي مثل سرقة سيارة، أو احتراق منزل، أو غرق بضاعة، الى آخر ذلك من أمثلة التأمين، في حين أن التحوط يعرف بأنه استراتيجية استثمار يمكن استخدامها لحماية الشخص من الخسائر، حيث أنه من خلال التحوط، يمكن لشخص ما تقليص الخطورة الناتجة عن الخسارة عن طريق التخلي عن مكاسب ممكن تحقيقها، أما في التأمين، فإن الشخص يقوم بدفع قسط التأمين لحجب الخسارة والإبقاء على إمكانية تحقيق مكاسب.
ولتوضيح الفرق بين التحوط والتأمين، فلو افترضنا أن شخصاً ينوي الذهاب في رحلة من الرياض إلى لندن بعد عام من الآن، وعند البدأ في عمل حجوزات الطيران، يخبره موظف الحجز أنه بإمكانه حجز تذكره الآن بسعر 6000ريال، أو دفع مبلغ التذكره بسعرها أيا كان يوم الرحلة. وهنا فإن هذا الشخص إذا قرر تثبيت سعر التذكرة على 6000ريال، فإنه يكون قد تحوط ضد خطر الخسارة. ولم يكلفه ذلك شيئاً، لكنه قد تخلى عن إمكانية دفع مبلغ أقل من 6000ريال، جراء شراء نفس التذكرة لرحلته بعد عام من الآن. بدلا من ذلك، فإن الناقل قد يوفر له إمكانية دفع مبلغ 120ريال الآن للحصول على حق شراء تذكرته بعد عام من الآن بسعر 6000ريال. من خلال ذلك فقد أمَّن الشخص على أنه سوف لن يقوم بدفع مبلغ أكثر من 6000ريال للسفر للندن. إذا أتضح أن سعر التذكرة لنفس الرحلة قد زاد عن 6000ريال فيحق له من خلال ممارسة حقه الذي حصل عليه من خلال التأمين في سداد نفس المبلغ المتفق عليه أو إلغاء الحجز. من خلال دفع مبلغ 120ريال فقد قام الشخص بشراء بوليصة تأمينية ضد خطر اضطراره لدفع مبلغ أكثر من 6000ريال للتذكرة، وبالتالي، فقد قام بتأمين أن التكلفة الإجمالية له لن تتجاوز 6120ريال (6000ريال للتذكرة زائد 120ريال لبوليصة التأمين).
وهذا يقودنا إلى طرح السؤال التالي: ما هو موقف التمويل الإسلامي من آلية التحوط؟ إن دفع سعر ثابت اليوم للحصول على سلعة ما في المستقبل ليست مشكلة من الناحية الافتراضية، ولكن دفع مبلغ من المال ل “خيار ما” يعتبر مشكلة لأن ذلك يتضمن الغرر وعقدين في عقد واحد (عقد الخيار “Option Contract”، وعقد البيع في المستقبل).
إن توفير خدمة التحوط هي بالكاد أساس منطقي كاف لتمثيل مفهومي القمار والميسر، فالشريعة الإسلامية لا تعترض على عملية التحوط، حيث أنها تحمل في طياتها بعض المصلحة، ولكن يكمن إعتراض الشريعة الاسلامية على “لعبة محصلتها صفر” Zero-Sum Game (الحالة التي يتم بها فقدان ميزة لشخص من اثنين ويفوز بها الآخر) وفي ذلك تكمن جذور التنافر الاجتماعي والشقاق.
يعد التحوط قيما تتماشى مع أهداف الاقتصاد الإسلامي غير أن الأدوات التقليدية لا يمكنها أن تفصل التحوط عن التخمين “Speculation”. وهذه الأدوات تستخدم كلا من التحوط والتخمين لنفس الغرض، ولكن في الغالب يستخدم التخمين بنسبة 97 ٪.
ومن الجدير بالذكر، أنه في السنوات الاخيرة تم تعزيز البحوث حول كيفية تحقيق التحوط وإدارة المخاطر دون تكبد تكاليف اضافية نتيجة للتخمين. ويقوم الباحثون من المسلمين بإنتاج بحوث جيدة معنية بتوضيح بعض المبادئ والاستراتيجيات المتعلقة بهندسة التمويل الإسلامي. ولكن ماتزال الصناعة الإسلامية تحتاج إلى مراجعة الاستراتيجيات التطبيقية لتطوير استراتيجيات التحوط للأدوات الإسلامية والنهوض بمنتجاتها وتقديمها كمنتجات إسلامية منافسه.
الصالح
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال