الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أن نجري أي دراسة، فإن الملاحظة العابرة تؤكد أن الطلب على الخدمات الطبية في السوق السعودية يرتفع بشكل ملحوظ، لأن الوعي الصحي يتزايد، وكذلك القدرات المالية للناس باتت قادرة على الصرف من أجل تمام صحتهم الغالية، ولذلك يقولون، إنهم يطلبون الصحة ولو في الصين.
وإذا زرنا المستشفيات الخاصة والعامة في هذه الأيام، فإننا نلاحظ أنها تكتظ بالناس من كل حدب وصوب، وأصحاب المستشفيات من جهتهم لم يقصروا
مع الأسف الشديد، فقد رفعوا الأسعار إلى مستويات خيالية، ولأن المستشفيات قليلة والطلب مرتفع، فإن الإقبال على طلب العلاج ظل في حالة تصاعد حتى مع أن الأسعار تتصاعد.
وفي ظل هذه الظروف كان يتعين على وزارة الصحة أن تدعو القطاع الخاص إلى الاستثمار في بناء المستشفيات وتلوح لهم بتقديم التسهيلات والحوافز والدعم.
إن الاستثمار من المواضيع المهمة في عمليات النمو الاقتصادي، لأنه بمنزلة قوة الدفع الرئيسة في اقتصادات الدول المتقدمة والناشئة أو النامية المختلفة على حد سواء، لأن الاستثمار يلعب دورا كبيرا في رفع معدلات التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، كذلك فإن الاستثمار يعمل على إشباع الحاجات وتنمية الثروة الوطنية، وزيادة طاقاتها الإنتاجية، وتعبئة مدخراتها الوطنية وتوظيفها بما يعود على اقتصادها الوطني بأعلى عائد.
ونعرف جميعا أن الاستثمار وثيق الصلة بالادخار، ويرتبط به بعلاقة تمويلية، ووثيقة الصلة بالاستهلاك ويرتبط به بعلاقة إنتاجية.
ونحن إذا ألقينا نظرة في اتجاهات الاستثمار الوطني فسنجد أن هناك خللا واضحا في مطارح الاستثمار، فمثلا مشاريع بناء المولات في المدن الرئيسة تتضاعف، مع أن الطلب على إيجار المحال التجارية ينخفض، ومن ناحية أخرى، نلاحظ أن مشاريع بناء المستشفيات منخفض جدا علما بأن الطلب على الخدمات الصحية مرتفع جدا، ونرى هذا في اكتظاظ المستشفيات الخاصة والعامة بالمرضى والمراجعين.
ونعرف جميعا أن الذي يحكم المستثمر هو الأرباح، ولذلك فإن أصحاب رؤوس الأموال لا يقبلون على مشاريعهم الاستثمارية إلا بناء على دراسات للجدوى الاقتصادية، وأهم بند في دراسات الجدوى الاقتصادية هو بند العائد على رأس المال والعائد على حقوق الملكية، فإذا كان معدل العائد على رأس المال وحقوق الملكية مرتفعا كان هذا أدعى لاتخاذ قرار بالاستثمار، أما إذا كان معدل العائد على رأس المال غير مرئي أو منخفضا، فإن أصحاب رؤوس الأموال ينصرفون عن المشروع محل الدراسة، لأنهم يتبنون مقولة تقول، إن رأس المال جبان.
ولأن المحك الأهم في دراسات الجدوى الاقتصادية ــــ كما ذكرنا ـــ هو العائد على رأس المال والعائد على حقوق الملكية، فإنه يتعين علينا أن نعيد النظر في خريطة الاستثمار الوطني.
ومن هذا المنطلق نستطيع القول إن العائد على رأس المال بالنسبة لمشاريع بناء المولات أصبح ــــ في السوق السعودي ــــ منخفضا قياسا بالعائد على رؤوس أموال مشاريع بناء المستشفيات.
أي أن اتجاه رؤوس الأموال نحو بناء المولات اتجاه خاطئ.. حتى وإن كان دوران الأرباح في المولات التجارية أسرع من دوران الأرباح في مشاريع المستشفيات التي تحتاج إلى صبر حتى تستكمل قواها وتعود بالأرباح السخية على أصحابها.
وإذا كانت المملكة تكتسب سمعة جيدة في مجالات عديدة كالسياحة والتعليم، فإنها بالنسبة للخدمات الطبية مؤهلة كي تكون سوقا مناسبة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي.
ولا أود أن أطلق الكلام على عواهنه، فلقد أجرت عديدا من الغرف التجارية الصناعية في المملكة دراسات حول هذا الموضوع، وتوصلت إلى قناعة بأن المعروض من المولات كثير، وإن المعروض من المستشفيات قليل، وإنه يلزم الاتجاه نحو بناء المزيد من المستشفيات، وبالذات في المدن السعودية الكبرى.
إن إعادة تنظيم خريطة الاستثمار الوطني ضرورة ملحة حتى تتوازى الخدمات المتاحة مع العرض، وهنا فإن المطلوب من وزارة التجارة والصناعة أن تضبط التراخيص وتنسق مع أمانات البلديات بعدم صرف رخص البناء إلا بعد موافقة ملزمة تأتيهم من وزارة التجارة والصناعة في ضوء الخرائط الجديدة للاستثمار الوطني.
بمعنى بات من الضروري وضع سياسة جديدة لتوجيه الاستثمار وضمان بناء الخدمات بشكل يوازن بين العرض والطلب.
وأرجو من الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أن يولي هذا الموضوع اهتمامه وأن يعكف مع فريق عمل متخصص على إصدار نظام جديد للاستثمار الوطني يتناسب مع الطموحات الحالية والمستقبلية، حيث يضمن توفير المناخ المناسب للاستثمار من خلال إصدار قوانين وتشريعات تحسن مناخ الاستثمار وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
إن التعويل على الاستثمار هو العامل الأهم في مجال إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وبالذات في الظروف التي تمر بها أسعار البترول حاليا، حيث تشهد أسعار البترول انخفاضا ملحوظا يستدعي ضرورة إعادة هيكلة خريطة الاستثمار الوطني.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال