الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما هوت أسعار النفط إلى النصف تقريبا خلال النصف الثاني من العام الماضي، استبشر كثيرون بهذا الانخفاض. عند هؤلاء ارتفاع أسعار النفط لم يجلب فائدة لهم، بل جلب الغلاء. النظر للموضوع هكذا تبسيط مخل، ينظر للموضوع من زاوية واحدة.
تحميل ارتفاع أسعار النفط جريرة الغلاء تبسيط مخل للمشكلة، فأسعار النفط عامل من عوامل كثيرة وراء الغلاء، ولن تنخفض بالضرورة أسعار السلع والخدمات بقوة انخفاض أسعار النفط.
أما إذا تركنا موضوع الغلاء، فإنه ليس من العدل تجاهل مشاريع البنية التحتية من طرق وموانئ وكهرباء وتحلية مياه. وليس من العدل تجاهل التوسع في المرافق والجامعات والمدارس والمستشفيات لمقابلة زيادة السكان في مختلف أرجاء البلاد، وفي المناطق النائية، وتحسين الأوضاع الوظيفية للكثيرين والوعد بتحسينها لآخرين من العاملين في الحكومة، وهذا يعني ارتفاع دخلهم النسبي.
ما كان لهذا أن يصير لولا فضل الله ثم ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات العشر الماضية.
وللمقارنة، انخفضت أسعار النفط انخفاضا شديدا أواسط عقد الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، واستمر هذا الانخفاض 20 سنة تقريبا، أي إلى أواسط العقد الماضي. وتسبب هذا الانخفاض “خلال هذه السنوات الـ 20” في معاناة المملكة عجزا مزمنا في الميزانية تسبب في دين عام بلغ من الضخامة حدا حرجا، وفي تناقص شديد في الإنفاق الرأسمالي الحكومي، أي الإنفاق المركز على البنى والمرافق الأساسية العامة. ولذا يلحظ الناس أن المشاريع الحكومية خلال تلك السنوات “مثل إنشاء و/أو تطوير الجامعات والمستشفيات والطرق والنقل العام وغيرها كثير” كانت متوقفة تقريبا. وطبعا تضرر الناس كثيرا تبعا لتوقف المشاريع الحكومية.
من جهة أخرى، شهدت تلك الفترة هدوءا أو جمودا في الأسعار. ويعرف كل دارس للاقتصاد بوجود علاقة طردية بين مستويات الإنفاق ومستويات التضخم.
موظفو الحكومة لم تتأثر رواتبهم، فكانوا من حيث القوة الشرائية في وضع أفضل. لكن غيرهم تضرر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن التوظيف الجديد في الحكومة كان شبه متوقف.
تسبب تدني أسعار النفط سنين طويلة، وتبعا لذلك ضخامة العجز وتناقص الإنفاق الرأسمالي، في تباطؤ واضح في النمو الاقتصادي، فمتوسط دخل الفرد انخفض خلال تلك السنوات الـ 20 بمتوسط بلغ 1 في المائة تقريبا سنويا، بينما شهدت الدول الصناعية والدول ذات الأسواق الصاعدة أو حديثة العهد بالتصنيع، خلال الفترة نفسها زيادات ملحوظة في ذلك المتوسط راوح أغلبها بين 2 و6 في المائة سنويا.
إن الآفاق المستقبلية للمالية العامة لفترة ما بعد المستقبل القريب يحيطها قدر كبير من عدم اليقين. استمرار أسعار النفط الحالية مدة طويلة، دون تطوير بدائل لموارد المالية العامة، يعني أن المالية العامة ستعاني عجزا كبيرا متراكما في الميزانية. وسيكون هناك تأثير سلبي بالغ في الناس، وستقع أكثر التأثيرات السلبية على عموم الناس أكثر من خواصهم، وستتقلص مشاريع البنية التحتية، وتوسيع المرافق العامة وتطويرها لمواكبة زيادة السكان.
لو قلنا ببقاء أسعار النفط في نطاق 75 ـــ 85 دولارا للبرميل على المدى البعيد، فإن المتوقع تلاشي فائض الميزانية بعد سنوات قليلة من الآن. مع وجود عجز صغير في الميزانية.
أما لو استمرت أسعار النفط دون ذلك على المدى البعيد، فهذا يعني تلاشي فائض الميزانية قريبا، وبعدها تأتي متاعب عجز كبير في الميزانية، كما حدث من قبل.
ما المطلوب؟ استراتيجية وسياسات على أساس متين يتبعها التنفيذ. والأهداف:
1 – تخفيف اعتماد المالية العامة على إيرادات النفط تخفيفا بينا.
2 – تطوير الموارد البشرية وإكسابها المهارات وجعل البلاد تعتمد على أبنائها أكثر مما هو قائم بصورة واضحة.
3 – تنويع مصادر الدخل تنويعا بينا، يجعل الصناعة التحويلية، مثلا، تسهم بنسبة لا تقل عن 20 في المائة من الناتج المحلي.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال