الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
يتابع صناع القرار حول العالم وخصوصا البنوك المركزية بتركيز شديد المؤشرات الاقتصادية الصينية وخصوصا منذ بداية العام الحالي. كما يتابعها معظم المستثمرين والمهتمين بالأسواق المالية في شتى أنحاء العالم.
منذ أن بدأت تظهر بوادر تراجع معدل النمو في الاقتصاد الصيني والقلق يسيطر على الاقتصادات العالمية خوفا من تفاقم الوضع مما يجعل التحركات التالية مجهولة ومرعبة. كل هذا والحديث فقط عن تراجع في معدل النمو وليس انكماشا او ركودا او اي شيء من ذلك القبيل. فمع كل التراجع ما زال معدل النمو الصيني من الأعلى في الاقتصادات الرئيسية في العالم. بلغ معدل النمو في الصين بين ١٩٨٩ و٢٠١٥ نسبة ٩.٠٨ ٪ ويتوقع أن يلامس في نهاية هذا العام مستوى ٧٪ الذي يعتبر تراجعا وأقل من النسب المرجوة.
من ناحية أخرى ارتفعت الاسهم الصينية الى مستويات قياسية بنِسَب وصلت الى ١٥٠٪ خلال عام وعندما تراجعت بقوة تدخلت الحكومة لمحاولة منع انهيارها والحد من تأثيرها على المحالات الاقتصادية الاخرى.
عند كل حدث ذو وجه سلبي من جهة الصين كانت البورصات والعملات العالمية تتفاعل بقلق وبشكل مباشر. وآخر تلك الأحداث كان قيام الصين بتخفيض سعر صرف عملتها الوطنية قبل عدة ايام بشكل مفاجيء مما أثر فورا على بورصات امريكا وأوروبا سلبا ودفع الدولار الى الارتفاع وشن الأمريكيون من مختلف القطاعات هجوما حادا على الصين وساستها.
لماذا تؤثر الصين في الاقتصاد العالمي الى هذا الحد؟
هناك عدة أسباب لذلك تختلف في أهميتها لكنها تدل مجتمعة على مكانة قوية صنعتها الصين لنفسها كلاعب اقتصادي مهم إن لم يكن الأهم على الإطلاق.
أولا، الصين تعتبر حاليا ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة لذلك فإنها بحجم يتعامل مع مختلف الدول وفي شتى الصناعات مما يجعلها المحرك الأكبر للعرض والطلب في كل المجالات. فمثلا الصناعة الصينية نمت وتنمو وتصدر منتجاتها فهي إذن تشتري السلع والمواد الخام وتقوم بالاستثمارات وتبيع و تشتري في التجارة العالمية. وكونها تسجل نسب نمو مرتفعة فذلك يجعل الأطراف الأخرى التي تتعامل مع الصين تستفيد من تلك الدورة وتتوقع المزيد.
وعلى سبيل المثال أيضا يرجع الكثير من المحللين انخفاض الطلب على الذهب والنفط وبالتالي انخفاض أسعارهما بالدرجة الاولى إلى انخفاض الطلب الصيني على السلع بسبب تراجع نسب النمو. وإذا اتفقنا مع هذا الرأي فما الذي يمكننا توقعه بالنسبة لأسعار الذهب والنفط اذا استمر تراجع النمو الصيني؟
السبب الثاني للتأثير الصيني على الاقتصاد العالمي هو انشغال الاقتصادات الرئيسية الأخرى وبشكل أساسي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بمشاكلها التي لا تنتهي. في أوروبا أزمة الديون السيادية وأخيرا اليونان وكل ما رافقها من خضات للاتحاد العجوز. اما في الاقتصاد الأكبر عالميا، اي الولايات المتحدة، فتنشغل رئيسة الاحتياطي الفدرالي باختيار العبارات التي تستخدمها بعد كل اجتماع وكل همها أن لا يساء فهم ما تقوله بخصوص رفع الفائدة. ولا ارى ان ما تقوله يمكن ان يساء فهمه لانه غير مفهوم أساسا.
منذ نهاية برنامج التيسير الكمي والفدرالي يناقش إمكانية رفع الفائدة ولا يتخذ قرارا حتى الان. هذه الأسباب تجعل الصين وحدها مؤثرة لأن الإشارات السلبية التي تأتي من الصين يستحيل حاليا أن نتوقع أي إيجابية مقابلها من امريكا او اوروبا.
السبب الثالث والمهم جدا، هو قلة مستوى الشفافية في جمهورية الصين الشعبية. على رغم كبر الاقتصاد فإن كل الأرقام التي تصدر والإجراءات التي تتم تخضع لأسلوب الحكم في الصين ولا أعتقد أننا يمكن أن نركن إليها بدون شك. لا أقول أنهم يصدرون أرقاما مزيفة، لكن آلية اتخاذ القرار مركزية وبالتالي يمكن اتخاذ قرار مفاجيء في أي وقت لأنهم في الصين يعلمون ما لا نعلم، وهذا ما يجعل رد فعل الأسواق خارج الصين قويا باعتبار أننا مثلا عندما نسمع أن الصين خفضت العملة فهذا يعني أنهم يَرَوْن أمورا سلبية وبالتالي من الممكن أن يقوموا بإجراءات أخرى متسارعة.
أعتقد أن آخر ما كانت تتمناه جانيت يالين هو أن تبدأ الصين حربا في العملات لا يملك الفدرالي ورئيسته الأسلحة اللازمة لخوضها. كتبت سابقا أن مصطلح حرب العملات فيه مبالغة كون معظم الدول ليست في وضع يسمح لها بخوض الحرب وقلت أن الصين الوحيدة التي يمكنها أخذ قرار مثل هذا لأنها في وضعية نمو ووضع عملتها يسمح لها بذلك. أما الفدرالي فكان يجاهد لرفع الفائدة فيكف سيواجه الوضع المعكوس الذي فرضته الصين؟
الحرب هي التقاتل بين طرفين، أما اذا كانت من طرف واحد فإنها تعتبر غزوا. فهل الصين بدأت الغزو عن طريق العملات؟.
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال