الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شيدت محطة التحلية الضخمة الواقعة على شاطئ البحر الأحمر مدينة بيئية ذكية ملاصقة لها، تستمد طاقتها من الألواح الشمسية والطاقة الكهرومائية. ولغياب الأنهار الطبيعية، تم تأسيس المدينة على أحواض صناعية ضخمة تتصل بالبحر في منظومة بصرية جميلة وتستفيد من حركة المياه الطبيعية بينها وبينه، ويستفاد أيضا منها في زراعة الأسماك وتصنيع الملح البحري وبعض المنتجات الزراعية التي تتحمل المياه البحرية المقطرة. ما يميز هذه المدينة المبتكرة التي تعتبر جنة الباحثين وأمل المواطنين، أنها دمجت كل من طاقة الأمواج والسدود والمد والجزر مع الطاقة الشمسية في توافق مبتكر يخدم المدينة وقاطنيها؛ تخدم هذه المدينة سكان المنطقة وتقدم وحدات سكنية نموذجية وبنية تحتية مصغرة للمشاريع التجارية الصغيرة.
تدعم محطة التحلية المدينة كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، وربما كبديل مستقبلي للمصدر النفطي النافد الذي تعتمد عليه حاليا في تحليتها للمياه المالحة. الجميل في الأمر، أن مصافي البترول ومحطات تكرير البتروكيماويات والمنشآت الصناعية الضخمة التي تستفيد من شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي، بدأت فعليا في الاقتداء بمحطة التحلية وشرعت في بناء مدن ذكية مصغرة أخرى تقوم على مصادر الطاقة المتجددة وتساهم في الربط بين الواقع والنظريات، وبين الباحثين والممارسين، وبين الحاضر والمستقبل.
تمثل الفقرتان السابقتان مجرد تصور حالم لجانب من جوانب تطور الطاقة المتجددة في المملكة وارتباطها بالمجتمع. وعلى الرغم من التوجهات الأخيرة بالاستثمار في الطاقة المتجددة إلا أن النقاش يتركز دوما في الجانب التقني ولا يمس الجوانب الإبداعية والاجتماعية لمحفزات التغيير المحتمل وآثاره وكيفية التعامل معه. إضافة إلى ذلك، تختفي الطاقة المائية أو تلك المرتبطة بالمياة من مصادر الطاقة المتجددة الأربعة التي تركز عليها استراتيجيتنا الوطنية للطاقة المتجددة ولا أعرف لذلك سببا “المصادر الأربعة هي: الجوفية الحرارية، الشمسية، الرياح، النفايات”. أتوقع أن توصية المستشار والبحوث الأولية أشارت إلى أن ارتفاع التكلفة وغياب المسطحات المائية الداخلية يكفيان لتجاهل هذا المصدر بالكلية. أتمنى ألا يكون غياب الأنهار أنسى البعض وجود البحر الذي نشرب ونغتسل وننتعش بمياهه كل يوم.
في نقاش مع أحد الأصدقاء تمركز الحديث على التحديات المحلية للطاقة الشمسية وتفسير أسباب الخمول الذي يحصل حاليا بعد أن عقد الأمل عليها للمساعدة في تنويع مصادر الطاقة. اتفقنا على أن قوالب الأسمنت التي يتم رصها في شوارعنا والتي لن نتمكن من تحويلها إلى طاقة في المستقبل لن تنفعنا، ولكن هناك الكثير من الأفكار الإبداعية التي يمكن فتح المجال لها وتطويرها وتقييمها ضمن منظومات محفزة تشكل جزءا مهما من استراتيجية تطوير مصادر الطاقة المتجددة. أفضل الاستثمارات التي نقوم بها الآن تلك التي لا تستنفد الكثير من ثرواتنا الحالية التي يمكن استدامتها بمصادر متجددة وحيوية.
عندما تتحدث عن الطاقة المائية في المملكة يسارع البعض إلى التذكير بندرة المياه وهم محقون. على الرغم من وفرة المياه على شواطئنا إلا أن الجهود البحثية والإعلامية قلما تركز على مصادر الطاقة المائية المحتملة في بحارنا، لذا تصبح الفرص المعلومة قليلة. في غياب البحوث المسحية الرصينة تنتج الأحكام عن تصورات لا قيمة لها سوى ثبيط الحراك الإيجابي حول هذا المصدر المهم من مصادر الطاقة المتجددة.
تنتج دولة مثل البرازيل 85 في المائة من طاقتها المحلية من الطاقة المتجددة وجزء كبير منها يعود للطاقة المائية. وللبرازيل قصة ملهمة إذ اتجهت إلى الطاقة المائية بعد أزمة النفط في بداية السبعينيات، ونجحت بعدها في الاعتماد على الطاقة المتجددة واليوم تخوض تحد جديد لزيادة تنويع مصادرها بين الماء والشمس والرياح لتقليل مخاطر تمركز الاعتمادية. تعتمد النرويج كذلك على الطاقة المائية وهي من الدول المصدرة للبترول. وعلى الرغم من الاختلافات بين طبيعة وجغرافيا النرويج والبرازيل إلا أنهما يقودان العالم في الاعتماد على الطاقة المائية، وهذا يطرح السؤال: لماذا لا تكون طبيعة سواحلنا ذات أهمية نوعية في إنتاج الطاقة المائية؟ ليس بالضرورة أن تكون مجربة ومستنسخة من الغير، وإنما مبتكرة جديدة.
تتحقق الاستفادة من الطاقة المائية باستخدام السدود واستغلال تحرك توربينات المياه لتتحول إلى طاقة كهربائية، أو بدمج توربينات مبتكرة تواجه الأمواج أو تثبت في عرض البحر وقاعه للاستفادة من التيارات المائية، خصوصا تلك المرتبطة بالمد والجزر. كذلك، تمثل الواجهات البحرية مناطق مفتوحة تتعاظم فيها الاستفادة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لدينا عدة مناطق فيها أحواض طبيعية “الخيران” ويمكن بناء عديد من الأحواض الصناعية، إضافة إلى الكثير من خصائص الحيد المرجاني المنتشر على طول البحر الأحمر بأعماقه المهيبة. أترك أمر هذه الفرص للمختصين، سواء لنفي جدواها بالبينة والبرهان أو التشجيع على اكتشافها وتحديدها على وجه السرعة.
إذا كانت معظم أراضي المملكة بعيدة عن شواطئ البحار فهذا لا يعني ألا نستفيد من شواطئنا أو ألا تلقى الاهتمام اللازم، فالشواطئ كانت ومازالت نقاط بناء المدن الجديدة وانطلاق الحضارات وهي اليوم تروينا كل نهار بالمياه العذبة. المهم، ألا نهمل التعرف والحفاظ عليها والاستفادة منها، ولا ننتظر حتى يأتينا اليوم الذي يصبح ذلك فيه مكلفا جدا.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال