الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
إن النمو السكاني هو الوحيد الذي ينافس الاستهلاك المرتفع كسبب للتدهور البيئي، وعلى الأقل فإن كثيراً من حكومات العالم يعتبرون النمو السكاني الآن مشكلة· وتبايناً مع ذلك، فإن الاستهلاك يعتبر خيراً على النطاق العالمي· والواقع أن زيادته تعتبر الهدف الرئيس للسياسة الاقتصادية الوطنية، ومستويات الاستهلاك تظهر النمو الكامل لشكل جديد للمجتمع البشري >المجتمع الاستهلاكي<·
لقد نشأ هذا الأسلوب الجديد للحياة في مجتمعات الغرب، والكلمات التي تمثل روح هذا الأسلوب على أحسن وجه هي التي قالها >فيكتور ليبو< >إن اقتصادنا الإنتاجي يتطلب بدرجة هائلة أن نجعل الاستهلاك هو أسلوبنا في الحياة، ويخوّل شراء السلع واستخدامها إلى طقوس نداوم على أدائها، ونلتمس رضاءنا الروحي، ورضا غرورنا في الاستهلاك، إننا في حاجة إلى استهلاك الأشياء وحرقها وبليها وتبديلها بمعدل دائم الزيادة· وللأسف، فقد تبارى في محاكاة أسلوب الحياة الذي ابتدع في الغرب أولئك الذين يطيقونه في مختلف أنحاء العالم، ولكن كثيرين لا يستطيعون ذلك· والصدوع الاقتصادية التي تمزّق العالم تستعصي على الفهم، فالعالم فيه 300 بليونيراً وأكثر من ثلاثة ملايين مليونيراً، وفيه أيضاً 500 مليون شخص بلا مأوى يسكنون الأرصفة ومقالب القمامة وتحت الجسور·
كذلك، فإن قيمة مبيعات السلع الفاخرة على النطاق العالمي أرقى الأزياء وأفخر السيارات وغيرها من علامات الثراء الأخرى، تفوق إجمالي النواتج الوطنية لثلثي دول العالم· يقول >آلن درتنج< في كتاب >ما وراء الأرقام<: اليوم يوجد في العالم ثلاث طبقات >أيكولوجية< رئيسة: هي طبقات المستهلكين وطبقات ذوي الدخل المتوسط والفقراء، وكل طبقة لها خصائصها وسماتها التي تميِّزها اقتصاداً·
إن فقراء العالم البالغ عددهم 1.6 بليون شخص تقريباً، يحصلون على دخل مقداره 400 دولار سنوياً لكل فرد من أفراد الأسرة، ومن ثمَّ فإن هذه المجموعة البشرية التي تضم >خمس< سكان العالم وأفقرهم تحصل على 2% لا غير من دخل العالم·
أما طبقة الدخل المتوسط في العالم، التي تضم 3.3 بليون شخص، فإن دخلها يتراوح بين 700 ـ 750< دولاراً سنوياً لكل فرد من أفراد الأسرة· وتشمل طبقة المستهلكين التي تضم 1.1 بليون شخص من أعضاء المجتمع الاستهلاكي العالم، جميع العائلات التي يزيد دخل كل فرد من أفراد أسرها على 750 دولاراً سنوياً·
إن الثغرة الواسعة التي تفصل بين استهلاك السعداء والبؤساء من الموارد تظهر واضحة في تأثيراتهم في العالم البيئي، فاتجاهات الاستهلاك المندفعة صعوداً تبعاً لزيادة عدد المجتمع الاستهلاكي هي من منظور آخر مؤشرات عارمة للضرر البيئي·
·وللأسف، فقد لا ننتهز الفرص لتحسين مستويات حياتنا بخفض الاستهلاك المرتفع، وخفض ساعات العمل، وقضاء بعض الوقت مع الأسرة والأصدقاء· ومع هذا، فليست هناك مغالاة في أن التحوُّل من المجتمع الاستهلاكي إلى مجتمع متواصل صعب، فنحن المستهلكين ننعم بأسلوب حياة يطمح إليه كل إنسان تقريباً، ولِمَ لا؟! فمَنْ ذا الذي لا يسارع إلى اقتناء سيارة ومنزل كبير على مساحة واسعة من الأرض يتحكم في درجة الحرارة داخله طوال أيام السنة؟
إن زخم قرون التاريخ الاقتصادي وشهوات الخمسة بلايين ونصف البليون شخص المادية تنحاز إلى جانب زيادة الاستهلاك· وعلى ذلك، فربما نكون أمام مشكلة لا تسمح بأي حال بعلاج مقبول، فالتوسع في أسلوب الحياة الاستهلاكي ليشمل الجميع من شأنه أن يعجِّل خراب المحيط الحيوي·
فالبيئة العالمية لا تستطيع إعالة 1.1 بليون شخص يعيشون على نمط حياة المستهلكين الغربيين، ولا بالتأكيد 5.5 بليون شخص أو سكان العالم في المستقبل الذين لن يقل عددهم عن ثمانية بلايين شخص·
ومن ناحية أخرى، فإن خفض مستويات استهلاك المجتمع الاستهلاكي وكبح الطموح المادي في المجتمعات الأخرى اقتراح خيالي غير عملي، ولو أنه مقبول أخلاقياً، ومع هذا فقد يكون هو الخيار الوحيد·
فإذا أريد لأحفادنا أن يرثوا كوكباً عامراً بالوفرة والجمال، فيتحتم علينا نحن المنتمين إلى طبقة المستهلكين أن نأكل ونتنقل ونستخدم الطاقة والموارد بأسلوب أقرب شبهاً للأسلوب المتَّبع في الدرجة الوسطى من السلم الاقتصادي العالمي·
زيد
للتواصل : zrommany3@gmail.com
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال