3666 144 055
[email protected]
يحفز مدير الجودة فريق عمله، لا لرفع جودة الأداء ولا لصنع ثقافة إيجابية مؤثرة داخل الشركة، وإنما لإتمام متطلبات التجهيز للاعتماد الدولي. يقول لهم: “لا يهمني إن كان موظفو الشركة يقدرون ما نقوم به، لا يهمني إن لم يفهموا علاقة هذه المتطلبات بجودة أدائهم ورفع إنتاجية الشركة أو المحافظة على سلامتهم، المهم أن ننتهي من هذا المشروع، نعلق اللوحات ونطبع المستندات ونجهز التقارير! فلم يتبق إلا بضعة أيام على زيارة فريق الفحص الدولي”. يزورهم فريق الفحص وينتهي من مهام عمله بعد أن حظي بضيافة معتبرة ــــ بعد مقاومة شديدة ــــ وجولات سياحية محدودة في المنطقة. تحصل الشركة على الاعتماد الدولي في مجالها، تحتفل الإدارة وتبلغ مجلسها الموقر الذي يشيد بذلك في مطلع محاضره السنوية وتعلن بعض الصحف عن ذلك في مربعات صغيرة يعاد تصويرها وتعليقها في ممرات الشركة.
لا تنحصر المشكلة هنا في أن هذا السلوك الشكلي خداع ومنافق ويهدر موارد الشركة الوقتية والمالية والبشرية دون مردود حقيقي على أدائها أو بنيتها التنظيمية والثقافية، بل إنه يبذر بذرة من الإحباط والتوجهات السلبية لدى من يعمل لدى مدير الجودة المذكور من الشباب الطموح والمتحمس.
ولا تنحصر مثل هذه السلوكيات على الإجراءات التي لا يزال يراها البعض إجراءات تحسينية غير إلزامية ـــ والاهتمام بالجودة ليس كذلك ــــ بل تشمل معظم الأعمال الفنية والمتخصصة داخل أروقة المنظمات، من التطبيقات الداعمة للعمل الإداري وحتى الممارسات الفنية المتعلقة بصميم عمل المنشأة.
عندما يخفي المدير المالي السياسات المحاسبية عن موظفيه ويقوم باتخاذ القرارات والتأثير في العرض والإفصاح دون أسباب منطقية مدعومة بالمتطلبات التنظيمية وأفضل الممارسات، فهو يضع حاجزا دكتاتوريا بين المعرفة المتخصصة وبين فرص التطوير الممكنة لدى موظفيه. عندما يأمر بتغيير إجراء محاسبي دون شرح الأسباب المنطقية فهو يخفي أمرا ما أو يتجاهل فريقه، غياب الشفافية هنا يدمر صناعة القدوة التي ستصنع مديرين غيره يكملون مسيرته ويحسنون من أداء الشركة. تشوه نموذج القدوة يصنع نماذج جديدة مشوهة ويفقد الموظفين وشركاتهم الكثير من الفرص.
على الرغم من أن تداول مفهوم القدوة محصور على النموذج الشخصي والسمات القيادية الفردية فقط، إلا أنها صناعة قادرة على التمثل والتأثير على المستوى الجماعي وبشكل متخصص كذلك، خصوصا لمن يملك الشجاعة على أن يجعل أعماله قابلة للمتابعة بالتوثيق والشفافية والتواصل الإيجابي خارج نطاق أدائه الشخصي. مثل هذا يقود ممارساته وممارسات فريق عمله وإدارته إلى التمثل بشكل قابل للتكرار وبأسلوب يمكن الاستفادة منه.
من الإشكالات التي تضعف من ظهور القدوات في مجال العمل، على سبيل المثال، حصر تبادل المعرفة على مخاطبات البريد الإلكتروني التي سرعان ما تختفي تحت جبال الرسائل، وعدم الاهتمام بتوثيق التجارب والحالات ومناقشتها داخل أروقة المنشأة. على الأقل، هناك الكثير من التجارب التي تستحق النقاش والتعلم، خصوصا تلك التي تحفز التفكر واستخلاص العبر وتكون فائدتها مكتسبة من صميم العمل. ولكن ما يحدث في العادة هو التجاهل، ربما يبدأ الجدل ويتعاظم قبل الحدث بوقت قصير وأثناء التعامل معه لكن يندر أن نجد من يقيم ورشة عمل مصغرة للاستفادة من أخطاء دورة العمل السابقة أو أحداث الشهر والأسبوع.
نعاني ضعف تطبيق نموذج القدوة على المستوى الشخصي، ولكن هذا لا يمنع من تبادل التأثير الإيجابي على مستوى المجموعات وتعزيز قيم المنشأة لتدعم مثل هذه الممارسات. يصعب ترويج أساليب التأثير والتحفيز على المستوى الفردي خصوصا داخل المجتمعات والتنظيمات غير المنضبطة، ولكن تضمين مثل هذه الثقافات داخل الكيان التنظيمي والثقافي للمنشأة أسهل بكثير. فهناك فسحة كبيرة للتواصل المستمر وهيكلة محددة يمكن استغلالها للحث على التصرف وفق أساليب معينة؛ تجارب المنشآت التي تبادر بمثل هذا الإبداع المؤسسي مثبتة ومعروفة.
تمتلك معظم أماكن العمل قاعدة مؤهلة من الشباب الطموح تقدم أفضل فرص التطور الممكنة، ولكن في العادة يقوم على أمر هذه القاعدة كفاءات إدارية متأخرة في جوانب نقل المعرفة والتحفيز. بوجود القاعدة المؤهلة من الشباب الطموح يصبح التنفيذ مرتهنا بأعضاء الإدارة الوسطى التي توجه وتدير وتنظم الأعمال داخل المنشأة، سواء كانت عامة أو متخصصة. إلا أن قمة الهرم وقيادته العليا هي من يملك يملك المفتاح السحري لباب التحرك والانطلاق، هي من يطالب ويحفز صانعي التحسينات الحركيين؛ وهي ذاتها من قد يغلق الأبواب في وجوهم ويترك لهم حرية العبث بالموارد البشرية والمعرفية.
تمثل المعرفة المكتسبة في نطاق العمل والأجيال اليافعة من الموظفين الشباب أهم استثمارات المنشأة، ويمثل نموذج القدوة أهم المحفزات التي تطور من هذه الموارد. القدوة هي الأداة الأهم التي تحسن من الحالة الأخلاقية داخل المنشأة وتحافظ على الروح الإيجابية بنفي الحالات المستحيلة، وعند سوء التصرف يكبو مفهوم القدوة بالفوضوية والتكتم وتجاهل الإمكانات والقدرات.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734