الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المستشار الاقتصادي و عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
شهد المجتمع الغربي في أعقاب الحرب العظمى الثانية عهدًا من الرخاء والوفرة، تحوَّل فيه الاستهلاك إلى فلسفة وأسلوب حياة سائد، بل إن أحد مفكري ذلك الوقت، ويُدْعى: “فيكتور ليبور” دعا الأمريكيين إلى أن يتخذوا من الاستهلاك وسيلة لخلاص الروح وتحقيق الذات.
ووجدت تلك الدعوة استجابة واسعة، بل إنها تعدت حدود الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدد من مجتمعات الدول الصناعية، فأصبح الاستهلاك صبغة للحياة فيها، وتسللت القيم التي أفرزها تزحزح القيم الاجتماعية التقليدية الراسخة في تلك المجتمعات.
بل إن اليابانيين استبدلوا بعض قِيَمِهم الموروثة بقِيَم استهلاكية جديدة، فأصبحت بنود الحكمة الثلاثة لديهم هي: التلفاز الملون، وجهاز تكييف الهواء، والسيارة.
ومنذ عام 1950م، استهلك سكان العالم من السلع والخِدْمات ما يُعادل ما استخدمه البشر منذ فجر التاريخ الإنساني.
وقد وصلت عدوى الاستهلاك إلى بعض المجتمعات الفقيرة.
هكذا يجري الاستهلاك في عالمنا، ويجرُّ وراءه الأمراض التي تصيب البيئة وأجسام المستهلكين أنفسهم، ونحن لا ندين كل مجتمعات الوفرة،أو بمعنًى آخرَ أفرادَها؛ فثمة من يملكون القدرة على الاختيار المناسب من أجل حياة بسيطة خالية من المتاعب الصحية والبيئية، وإن كانوا يمثلون القِلَّة.
وهنا يرد سؤال مهم: ما الذي يدفع الكثير إلى الاستهلاك بشراهة؟!
هل لأن البشر بطبعهم لا يقنعون بما لديهم كما أكد أرسطو أن جشع الإنسان لا يرتوي؟ أو أن السبب يرجع إلى أن الأحفاد أغنى من الأجداد؟
والإجابة عن كل من السؤالين: بنعم، لا يجب أن تجعلنا نغفل حقيقة وجود قوى أخرى دافعة إلى تنشيط الرغبة في الاستهلاك، بصورة غير مسبوقة.
لقد تضاءلت قيمة الفضائل، مثل: الاستقامة، والإتقان، وتراجعت كمعيار للمكانة الاجتماعية؛ ليحل محلها جميعًا مؤشر واحد يحترمه الجميع هو المال.
وللأسف، فقد أثبتت استقصاءات عدة أن الاتجاه الاستهلاكي غير قادر على إشباع كل حاجات الإنسان، فالسعادة مثلاً: تأتي مرتبطة بعوامل أخرى أبرزها الحياة الأُسَرية المستقرة، والنجاح في العمل، وراحة البال، والصحة الجيدة والصداقة، فإذا غابت هذه العوامل، لجأ الإنسان إلى الاستهلاك؛ ليضفي على نفسه إحساسًا بالتميز والقدرة.
ولا يجب أن نغفل قوة الإعلان وسحره، فقد أصبحت صناعة الإعلان واحدة من أسرع الصناعات نموًّا.
ومن ثم، فليس غريبًا إذًا تحت تأثير هذا السحر المستمر أن يصبح الشراء ثقافة عامة، ومتعة عند نسبة 96% من الشباب.
وطغى الإعلان حتى على توجهات ربَّات البيوت، وأصبحن يسعينَ إلى الطعام السابق التجهيز، وإلى المنظفات عالية القدرة، وإلى سلع عديدة تجد طريقها إلى وعاء القمامة فورَ الانتهاء من استخدامها، وهكذا تتحول ربة البيت من وحدة اقتصادية أساسية إلى عامل سلبي التأثير على البيئة.
وبعد، فهل يمكننا مواجهة جاذبية السلوك الاستهلاكي وكبح جماحه؟ إن الإجابة عن هذا السؤال بنعم يمكن أن تتحقق إذا التزم المستهلكون بقاعدة ذهبية، تقول: مِن حقِّنا أن نحصل على احتياجاتنا، ولكن ليس على حساب مستقبل أبنائنا وأحفادنا.
zrommany3@gmail.com
زيد
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال