الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
باحثة اقتصادية
NoufAlshariff@
ليس الصندوق السيادي السر الوحيد لنجاح تجربة دولة النرويج مع النفط، صحيح أن إدارة الإيرادات النفطية تعد جزءاً هاماً من نجاح تجربتهم، ولكنها ليست كامل القصة. من العدل استعراض بداية القصة ونشأة الفكرة؛ بدلاً من القفز للحلقة الأخيرة المتمثلة في الصندوق الذي أبهر العالم. بدأت قصة نجاح النرويج بالسؤال : كيف يمكن الحصول على نمو اقتصادي مستقر رغم تذبذب العوائد النفطية؟ ولم تبدأ بالصندوق.
تتلخص الاستراتيجيات التي ساعدت النرويج في تخفيف أثر النفط على اقتصادها في نقاطٍ ثلاثة: الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ارتفاع متسوى التشغيل والإنتاجية، إدارة الموارد النفطية والصندوق السيادي.
1) التركيز العالي على دعم القطاع الخاص، بالرغم من كبر حجم القطاع الحكومي: يتبع اقتصاد النرويج النظام المختلط الذي يمزج بين حصة الحكومة وحصة القطاع الخاص في الاقتصاد، فتوفر الحكومة مستشفيات كبيرة عامة ومدارس عامة ومعظم شركات النفط مملوكة للحكومة، ونسبة امتلاك الحكومة للشركات المدرجة في سوق الأسهم حوالي ٣٠٪، وفي نفس الوقت تفرض الحكومة ضرائب عالية على المواطنين لم تنخفض كثيراً بزيادة إيرادات النفط. إلا أن التركيز عالٍ جداً على دعم القطاع الخاص فهم لا يرون أن هناك تعارض بين كبر حجم القطاع الخاص وكبر حجم القطاع العام، بالعكس فقد يؤدي القطاع الحكومي الكفؤ إلى دعم القطاع الخاص عن طريق تحسين المناخ الاستثماري وجذب الاستثمارات الأجنبية ودعم التوظيف، والدليل هو تصنيف النرويج في المؤشرات:
مؤشر البنك الدولي لسهولة أداء الأعمال ٦ من أصل ١٨٥ دولة، النزاهة ٧ من ١٧٦، الانفتاح التجاري ٨ من ١٢٥، ومؤشر التنافسية ١١ من ١٤٨ دولة (حسب ٢٠١٣).
٢-) النرويجيون شعب منتج .. ارتفاع نسبة التشغيل والإنتاجية بين المواطنين: على عكس معظم الدول المعتمدة على الموارد الطبيعية، تتميز النرويج بمعدلات عالية من الإنتاجية ومعدلات منخفضة جداً من البطالة، تجعل هذه الميزة أساس نجاح تجربة النرويج في الرفاهية وليس النفط.
بنهاية عام 2014 كانت معدلات البطالة في النرويج 3.8%فقط وهي الأقل بين دول الاتحاد الاوروبي الذي بلغ متوسط البطالة فيه 10.2%. وتفتخر النرويج بالنسبة العالية لمشاركة المرأة في سوق العمل والتي تبلغ 74% وهي أعلى من الولايات المتحدة 57% وأعلى من معدل دول الاتحاد الأوروبي 60%، وبكل تأكيد أعلى من دول شرق آسيا مثل اليابان التي تعاني من انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل لعوامل اجتماعية.
الميزة في رفع نسبة مشاركة المرأة حسب ما يوصي البنك الدولي هي رفع النسبة الكلية للمشتغلين في الاقتصاد، وبالتالي رفع الناتج المحلي ونموه، وتعول عليها الحكومات كثيراً في سبيل رفع الإنتاجية.
حرصت الحكومة النرويجية على إبقاء النسبة المرتفعة لمشاركة المرأة، لعلمها بأنه غالباً ما تؤدي الايردات النفطية إلى انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل حسب الدراسات وتجارب الدول الأخرى، فبادرت بسن التشريعات التي تكفل استمرار المرأة في عملها وفي نفس الوقت المحافظة على معدل نمو النمو السكاني التي تعد مرتفعة نسبياً مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، فمعدل الولادات في النرويج هو 1.8 طفل لكل امرأة، مقارنة ب1.4 في ألمانيا و1.2 في البرتغال.
من أهم تلك التشريعات فرض الحكومة النرويجية إجازة أمومة مدفوعة لمدة عام كامل، وإجازة مدفوعة للأب لمدة 4 أشهر. كما توفر حضانات للأطفال منذ بلوغهم سنة واحدة وبأسعار منخفضة مناسبة لجميع المواطنين، وتقوم بتوفير ساعات للنشاطات الإضافية للأطفال لما بعد المدرسة، كل ذلك للمحافظة على إنتاجية المواطنين والمواطنات وضمان استمرارهم في سوق العمل، مع الحرص على برامج التدريب على المهارات الحديثة وتطويرهم داخل سوق العمل.
المقال القادم يتحدث عن عن الاستراتيجية الثالثة وهي كيفية إدارة الإيرادات النفطية، ونشأة فكرة الصندوق السيادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال