قلتها وسوف أكررها في كل مناسبة، يجب ضبط الأوزان والمكاييل وإجبار الأسواق على الالتزام بها، إنه أمر الله الذي أنزله على نبيه، وهو أمره الذي خالفته الأمم من قبل فأنزل عليها عذابه. وفي هذا المقال لن أتحدث عن ضياع الأوزان والمقاييس في شتى الموضوعات بل فقط عن أثر ضياعها في سوق واحدة وهي الأغنام أو المواشي بشكل عام. وأتحدث عن هذا الموضوع لسببين الأول هو بدء موسم عيد الأضحى، الذي تبذل فيه كل أسرة ما استطاعت من أجل الحصول على أفضل الأضاحي لمن لم يحج وأفضل الهدي لمن حج. وفي هذا لن يناقش الناس عما تم دفعه طالما هي قربة إلى الله جل شأنه، وطاعة له، وشكره على النعم التي أكرم الإنسان بها. والسبب الثاني هو تقرير نشرته “الاقتصادية” أمس عن انخفاض متوسط تكلفة استيراد الأغنام من الخارج في عام 2014 مقارنة بالأعوام السابقة، حيث تراجع متوسط تكلفة الرأس الواحد من الضأن المستوردة بنسبة 12 في المائة وذلك رغم ارتفاع كمية الضأن المستوردة بنسبة 14 في المائة، وبلغ متوسط تكلفة الاستيراد لعام 2014 نحو 376 ريالا، مقارنة بـ 428 ريالا. وبلغت الكمية المستوردة من الأغنام خلال العام الماضي نحو 6.8 مليون رأس، مقارنة بـ 5.97 مليون خلال 2013. من المهم معرفة أن “التكلفة” التي حسبتها “الاقتصادية” تمثل قيمة الرأس الواحد في محل الإرسال مضافا إليها تكلفة التأمين والنقل أو الشحن والتكاليف الأخرى حتى تسليم البضاعة إلى رصيف التنزيل في ميناء الدخول عدا الرسوم الجمركية، (أي أن كل هذا معلوم وواضح). وبالتحليل الحسابي نجد أن قيمة ما تم استيراده قد بلغت نحو 2.56 مليار ريال، بوزن نحو 196.7 ألف طن. وبهذا فإن قيمة الكيلو الجرام الواحد بلغت 13 ريالا تقريبا، أي أن وزن الأضحية الكبيرة جدا (60) كجم قد كلفت 750، والمتوسطة (30 كيلو) قد كلفت قريبا من 390 ريالا. ومع ذلك فإن السعر لدينا قد بلغ (في المتوسط) للأغنام التي يبلغ وزنها 60 كليو جراما أكثر من 1700 ريال. فمن أين جاءت هذه الأرقام الضخمة عند البيع للمستهلك النهائي، التي تصل بالأضحية نحو الضعف للكبيرة وثلاثة أضعاف للمتوسطة (ومعنى المتوسط أي أن هناك أغناما قد فاقت هذا السعر وتجاوزت 2000 ريال).
أعتقد أن المشكلة واضحة جدا في المقارنات بين تكلفة الأضحية وبين سعرها في السوق، لكن المشكلة عندي ليست هي مشكلة السعر فقط كما يتصورها البعض بل هي مشكلة “المتوسط” هذا. فلم تستطع أي جهة – في كل ما اطلعت عليه من تقارير – أن تقدم سعرا دقيقا يمكن مراقبته أو تفسير أسبابه أو الحكم عليه في سوق الضأن أو المواشي بشكل عام. الجميع يتحدث عن متوسطات عامة فقط. وكل من درس الإحصاء يعرف أن المتوسطات الحسابية المأخوذة من عينات هي أضعف أنواع المؤشرات الإحصائية للحكم على دقة قياس الأشياء. والسؤال عندي لماذا تستطيع “الاقتصادية” أن تقدم تقريرا بكل هذه الدقة عن تكلفة الكيلوجرام الواحد من الأغنام المستوردة حتى قيمة التأمين والنقل والشحن والتفريغ، ولا تستطع وزارة مثل التجارة أو الأمانات بكل حجمها أن تعطينا سعرا دقيقا لتكلفة رأس الضأن الواحد بعد دخوله السوق السعودية بل تعطينا متوسطات من عينات لا نعرف حجم التشتت حولها؟ ببساطة إنها المشكلة الدائمة والمستمرة في سوق الأغنام والأضاحي، وهي نتيجة حتمية لضياع الوزن والمعلومة في هذه السوق.
والحديث لا يقف هنا بل إن الذي يحصل في الأسواق – وفي موضوع مقدس مثل الأضحية – هو أقصى درجات الاستغلال والاستغفال والغبن والغرر. وكلها أنواع محرمة في الإسلام عند البيع، وهي منتشرة في السوق مع الأسف. فلا تعرف هذه الأضحية من أي بلد وتسمع في المجالس عن أساليب الغش المنهي عنها، ومع ذلك فلا توجد في السوق أي جهة منظمة لها أو مرجعية يمكن التحاكم إليها حالا، الأغنام المستوردة غير مميزة بأي شكل، الوزن غير معروف لكل رأس. نقف تحت سياط الشمس وصراخ كل المنتفعين من أجل الضغط عليك أن تأخذ أضحية لا تعرف ما هي ولا من أين هي ولا كم وزنها ولا حتى سنها ولا هي صالحة أو معيبة وعليك وحدك أن تقدر كل هذا بسعر لا تعرف هل هو السعر السائد في السوق أو أنه يتم استغفالك واستغلال جهلك.
وإذا كان الكثير من أصحاب المناصب قد وجدوا من يكفيهم مؤنة هذا الأمر والجهد ولديهم من الدخل ما يجعل الخسائر الناتجة عن هذا الجهل هامشية، فإن الملايين منا لم يجد مثل هذا الحظ، وما نريده هو فقط جهة منظمة لدخول الأغنام إلى السوق، جهة تضع سلسلة (أو أي طريقة أخرى ذات جدوى) نتحمل تكلفتها نحن المشترين توضح نوع الماشية ومصدرها ووزنها وسنها، ثم نترك السوق تقرر السعر، لكن أصبح المشتري على الأقل يعرف ماذا اشترى وذلك بوزن معلوم لجنس معلوم في وقت معلوم وبسعر مشاع. إن كان هذا كثيرا فالله المستعان والله من وراء القصد وهو أعلم وكل عام وأنتم بخير وهذا البلد يعيش أمنا وأمانا ورخاء دائما.
نقلا ع الاقتصادية