هناك مصطلحات في مجال الإدارة والأعمال تستخدم بكثرة إلا أنه يساء فهمها، إما لغموضها، وإما بسبب نقلها الخاطئ إلى العربية، وإما لصعوبة تعريبها مثل: كلمة استراتيجية، وبيروقراطية، وديمقراطية، وبعض أدوات بحوث العمليات مثل البرمجة الخطية. وفي هذا المقال نريد أن نلقي الضوء على مفهوم شاع استخدامه وقل فهمه ألا وهو مفهوم (التسويق). ماذا يقصد به؟ و كيف يختلف عن مصطلحات أخرى مشابهة له كالبيع، والإعلان، والترويج؟ وقد تطرقت إلى هذا الموضوع من قبل ولكنني عرضت المشكلة وهنا أريد أن أقدم اقتراحا لعله يجد من يتبناه من المتخصصين في مجال التسويق.

لكي نصل إلى إزالة الغموض عن التسويق يتعين علينا في البداية العودة إلى تاريخ نهضة علم التسويق ومراحل تطوره الذي سيقودنا إلى معرفة مفهوم التسويق بشكل واضح. فقد لوحظ أن أغلبية الكتب والمؤلفات التي تناقش موضوعات الأعمال ومنها موضوعات التسويق تنشر بهدف البيع أو لمجرد التأليف. ورغم ثروة المعلومات وكثرة المؤلفات في حقل التسويق إلا أن أغلبية موضوعات الكتب غير مترابطة أو معروضة بطريقة تفقد مصطلح التسويق بريقه ومعناه الحقيقي ما أدى إلى ابتعاد الكثيرين عن الاستفادة من نظرياته ونماذجه.

أرى أنه ينبغي إعادة هيكلة موضوعات التسويق وربطها ببعضها البعض حتى تكون أكثر منطقية تتم من خلالها معالجة الثغرات التي تم ملاحظتها في الكتب العربية والأجنبية بهدف سد ثغرة في أدبيات التسويق. فقد تعددت الكتب التي تناقش قضايا التسويق من حيث المنهجية والعرض والأهداف. البعض أخذ مدخل النظم فنظر إلى التسويق كنظام يتكون من المدخلات والتشغيل والمخرجات. صنف آخر نظر إلى التسويق على أنه علم اجتماع. صنف ثالث نظر إلى التسويق نظرة ضيقة واختزله في كونه علاقات عامة, صنف رابع لا يعرف بالضبط ماذا يريد وما الهدف من التأليف.

لذا ينبغي إعادة تنظيم الكم الهائل من المعلومات التي تكلم عنها أهل التسويق ولكنهم لم يوفقوا في ربطها بطريقة لها معنى. عند قراءة أي كتاب للتسويق سواء باللغة العربية أو الأجنبية – بخلاف مؤلفات أبو التسويق الحديث Kotlar- ترى الموضوعات متناثرة وغير مترابطة فقد يبدأ الفصل الأول بتعريف التسويق، ثم يقفز مباشرة إلى سلوك المستهلك، ثم يعود مرة أخرى ويناقش تطور الفكر التسويقي، ثم يختم بوظيفة التسعير. مثل هذه المنهجية تشتت القارئ وتفقد علم التسويق أهميته وتبعده عن أصوله، بل وأصبح يمارس بطريقة غير علمية.

إلا أن المنهجية التي اقترحها تختلف عن كل هذا والمتمثلة في إعادة هيكلة الموضوعات الجوهرية عن التسويق بطريقة تكون بينها علاقة وترابط. وبهذا يجب أن تعرض الموضوعات متصلة ومنفصلة في آن واحد من أجل أن يفهم القارئ – متخصص وغير متخصص – ما المقصود بالتسويق؟ وكيف يعمل؟ وما الفرق بينه وبين المصطلحات الأخرى المتشابهة عن طريق الاطلاع على الموضوعات وطريقة الربط بينها حسب ترتيب مفهرس يمكن أن يطلق عليه “الإطار العام لدراسة التسويق” الذي أرى أن يتكون من ثلاثة أجزاء أساسية وهي: القاعدة المعرفية، والبنية التحتية، والمزيج التسويقي.

أرى أن تعرض موضوعات التسويق على شكل ثلاثة موضوعات رئيسة. الموضوع الأول يهتم بالناحية المعرفية ويشمل الموضوعات التي يحتاج إليها القارئ لفهم أصول التسويق وكيف بدأ وينقسم إلى قسمين. القسم الأول يهتم بنشأة علم التسويق والعلاقة بينه وبين الإدارات القريبة منه مثل الإنتاج، وهذا يقود إلى مناقشة مراحل تطور علم التسويق. أما القسم الثاني فيشمل عدة موضوعات هي: تعريف التسويق، وكيف يختلف التسويق عن المفاهيم المتقاربة كالبيع والإعلان، إضافة إلى علاقة التسويق بالعلوم الأخرى.

أما الموضوع الرئيس الثاني فيختص بالأدوات التي تحتاج إليها المنشآت قبل البدء في عملية التسويق، أي الأدوات الأساسية التي تحتاج إليها المنظمات قبل ممارسة العمل التسويقي التشغيلي (المزيج التسويقي). فقد تمت ملاحظة أن هذه الموضوعات متناثرة لذا ينبغي إعادة تنظيمها في باب كامل يفضل أن يطلق عليه البنية التحتية لمهام التسويق، بمعنى الأدوات التي تحتاج إليها إدارات التسويق في الشركات قبل ممارسة العمل الفعلي للتسويق وأرى أن تتكون من أربع أدوات وهي: نظم المعلومات التسويقية، دراسة البيئة التسويقية، سلوك المستهلك، وتجزئة السوق.

أما الموضوع الرئيس الثالث فينبغي أن يكون خاصا بعرض المزيج التسويقي الرباعي 4ps أي العمل التشغيلي للتسويق وهي عبارة عن الوظائف الأساسية التي تتعين ممارستها وهي: المنتج، والتسعير، والتوزيع، والترويج. وهنا أقترح تخصيص فصل كامل لكل وظيفة من وظائف المزيج التسويقي رغم اختلاف درجة أهميتها إلا أنه ينبغي النظر إلى الموضوع على أساس أن المزيج التسويقي لن يكتمل إلا بهذه الوظائف مجتمعة.

وكل من كتب عن التسويق يطلق على مؤلفه “أصول التسويق” أو “أساسيات التسويق” أو “مبادئ التسويق” أو “التسويق” فقط، إلا أنني أفضل أن يطلق عليه “الإطار العام لفهم التسويق” لعدة أسباب من أهمها أن الهدف العام من كل هذا هو إيضاح مفهوم التسويق بكل يسر وسهولة عن طريق ربط أجزائه ببعضها وعن طريق إعادة هيكلة الموضوعات التي تمت مناقشتها في الأدبيات بأسلوب مترابط، إضافة إلى الهدف الجوهري وهو الاهتمام بأبجديات التسويق، ولا ينبغي التعمق كثيرا فتتم إضافة موضوعات معقدة كاستراتيجيات التسويق، وبحوث التسويق، وإدارة التسويق، أو التسويق الإلكتروني. ينبغي عرض موضوعات أساسية ومصطلحات علمية عن التسويق بطريقة مبسطة ومترابطة حتى يمكن للمتخصص ولغير المتخصص أن يدلف إليه و يحدد مبتغاه ويعرف ما بين جنباته بكل يسر وسهولة بسبب ترتيب الموضوعات على شكل أبواب كل باب يناقش فكرة محددة تختلف عن الأخرى ولكنها ترتبط بها.

وبهذا العرض المبسط سيتم توضيح بعض الحقائق، وسيزول بعض الغموض الذي يكتنف مفهوم التسويق، ويستفيد منه طلاب إدارة الأعمال بمن فيهم أقسام التسويق، والفائدة تعم أيضا من يبحث عن المعرفة وكذلك الباحثين ورجال الأعمال وكل مهتم بهذا العلم المتجدد.