الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
باحثة اقتصادية
NoufAlshariff@
تحدث المقال السابق عن الاستراتيجيات التي ساعدت النرويج في تخفيف أثر النفط على اقتصادها، وتم تفصيل الاستراتيجيات الأولى والثانية وهي الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، وارتفاع مستوى التشغيل والإنتاجية (لمن آراد العودة له سيجده على هذا الرابط هنا ).
مقال اليوم يتحدث عن الاستراتيجية الثالثة وهي كيفية إدارة الإيرادات النفطية ونشأة الصندوق السيادي.
٣) إدارة الإيرادات النفطية: قامت النرويج بعزل الإنفاق الحكومي عن إيرادات الصندوق السيادي تماماً، والإنفاق فقط من أرباح الصندوق الذي تتوزع استثماراته بين أكثر من ٩٠٠٠ شركة حول العالم لضمان عدم المخاطرة. لن أتحدث مطولاً عن طريقة إدارة الصندوق ولا عن استراتيجية الاستثمار فيه، فقد أُشبعت تحليلاً في الصحف والأبحاثالمحلية والعالمية.
من المهم إيجاز ما فعلته الحكومة النرويجية عقب اكتشاف النفط عام ١٩٦٩، فقد كانت أول قراراتهم هي البحث في كيفية حماية الاقتصاد من المرض الهولندي (وهو باختصار الضعف الذي يصيب القطاع الصناعي في دولة إذا ما بدأت بتصدير الموارد الطبيعية)، والبحث في كيفية تجنب الآثار السلبية على القطاع الصناعي المتخصص في صناعة الشحن والنقل، والقطاع الزراعي المبني على صيد الأسماك. ولم يتم صرف الكثير على البنية التحتية لأنها كانت منشأة مسبقاً، ولكن بالمقابل تم استهداف دعم الرفاهية عن طريق دعم القطاع الحكومي والخدمات الحكومية من تعليم وصحة، بالإضافة إلى التركيز على دعم القطاع الخاص والمحافظة على معدل الإنتاجية المرتفع. فقامت الحكومة بتخفيض سن التقاعد لفتح فرص أكبر أمام الشباب، وزادت دعم المنتجات الزراعية، وتوسعت في سياساتها الصناعية، وقامت بخفض الضرائب بشكل بسيط.
في الثمانينات الميلادية، قامت الحكومة ببحث أفضل السبل في إدارة الموارد النفطية وفصلها عن الإنفاق الحكومي والتي كانت أساساً لنشأة الصندوق السيادي عام ١٩٩٠، وبدأ تفعيله عام ١٩٩٦، أي بعد ٢٧ عاماً من بداية إنتاج النفط. وفي النهاية استطاعت الحكومة النرويجية أن تجعل إيرادات النفط لا تزيد عن ٣٠٪ من إجمالي الإيرادات الحكومية، وأن يشكل القطاع النفطي ٢٣٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي، حسب إحصائيات عام ٢٠١٣.
ذكر بول كوليير، أحد أكبر اقتصاديي جامعة أكسفورد والخبير في إدارة الموارد الطبيعية، في عدة مواقع آخرها في محاضرة ألقاها في مؤتمر جمع مجموعة كبيرة من ممثلي الدول النفطية، أن تجربة النرويج في إدارة الموارد وصندوقها السيادي لم تكن لتنجح لو لم تكن النرويج دولة صناعية متقدمة قبل اكتشاف النفط. وحتى بعد اكتشاف النفط، قضت النرويج عدداً من السنوات في استخدام الموارد النفطية في الإنفاق على زيادة تنافسية الاقتصاد المحلي والتهيئة لمناخ اقتصادي جذاب قبل أن تبدأ في تجميع الثروات في الصندوق. وبذلك ينصح كوليير والعديد من الدراسات أن تركز الدول النفطية على تنمية اقتصادها المحلي قبل التوجه للصناديق السيادية، وعدم التشبث بتجربة صندوق النرويج بشكل مطلق لأنه لا توجد قاعدة واحدة صالحة للجميع.
بالنسبة للاقتصاد السعودي، فقد حباه الله بنعمة الإيرادات النفطية ليقفز في وقت قصير إلى مصاف الدول الكبرى والأغنى عالمياً، مع وجود دور فعال للدولة والمؤسسات التي تعمل باستمرار على تنمية الاقتصاد والمستوى الاجتماعي من تعليم وصحة للأفراد مقارنة بالدول النفطية الأخرى. ولكن نظراً لارتفاع حجم إيرادات النفط المرتبطة بالإنتاج الكبير، فقد يكون من المناسب اتباع نموذج النرويج من خلال تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتنمية الصناعة والمشاريع الصغيرة، ورفع نسبة مشاركة المواطنين في سوق العمل، وخاصةً مشاركة المرأة. مع الأخذ بعين الاعتبار بأن اقتصاد المملكة ما زال بحاجة إلى الاستمرار في بناء البنية التحتية وتنمية رأس المال البشري من تعليم وصحة وخلق للوظائف، بالإضافة للعديد من الأولويات الاقتصادية المخلتفة عن أولويات النرويج.
لذلك قد يكون من المناسب للاقتصاد السعودي وضع خطة تنموية جديدة ـ مستقلة عن الخطط الخمسية ـ للإنفاق على الأولويات الاقتصادية السابقة، ومشابهة لما حصل في النرويج في مرحلة ما قبل الصندوق، بحيث تنتهي هذه الخطة بإنشاء صندوق بعد عدد معين من السنوات بشرط تحقق نسب معينة من الأهداف التنموية الملحة. وبعد تحقيق تلك الأهداف، والتأكد من سلامة البنية التحتية ونمو الاقتصاد غير النفطي، يتم إنشاء صندوق سيادي على الطراز النرويجي.
المقال القادم يتحدث عن التحديات التي واجهت الاقتصاد النرويجي، بالرغم من وجود الصندوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال