الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
العنوان ليس مجرد وسيلة لجذب القاريء بل هو عبارة نسمعها باستمرار من متداولين في الاسواق المالية بمختلف أنواعها. فهناك نظرة سائدة أن معظم من يتداول في الأسواق يخسر أو أن الأسواق لا تتيح الربح إلا للكبار. هذا اذا لم ندخل في نظريات المؤامرة التي يقتنع أصحابها بأن هناك أيد خفية دائما وراء خسارتهم.
جوابي على ذلك القول مكرر وأعيده دائما وهو أن أي تجارة فيها الخاسر والرابح وغالبا ما تجد الخاسرين من الفئة التي لم تقم بواجبها بفهم ما تتاجر به بشكل كاف، وكون نسبة الخاسرين في الاسواق المالية اكبر يعود لسهولة الدخول اليها مقارنة مع غيرها. فأنت مثلا بحاجة لتأسيس شركة والحصول على تراخيص معينة وغير ذلك من الإجراءات لو أردت الاستثمار في مطعم مقابل مجرد تعبئة بعض الأوراق لتصبح متداولا. لذلك فإن نسبة الخاسرين تعود الى نوعيتهم وليس لعيب في الاسواق.
طلب مني أحد الأشخاص من فترة أن أدله على شركة ليتداول من خلالها في عقود الخيارات “الاوبشنز”. سألته اذا كانت له خبرة في الموضوع أو اذا كان قد درسه. أجابني أنه رأى بعض المغردين يتحدثون عنها وأنها مربحة ويريد أن يجرب حظه. لم تعد هذه الردود تفاجئني. كل ما فعلته أنني قلت أنني لا أعرف شركة تقوم بذلك بالرغم من أنني أعرف. مع ذلك، فهو بالتأكيد سيصل إلى مراده و “سيجرب حظه” وسيخسر. هل خسارته بسبب أن عقود الخيارات تجلب الخسارة أو بسبب جهله؟ لا أروج هنا لهذه المنتجات ولا أحذر منها فأنا لست معنيا بها ولكنني أورد القصة كما حدثت معي.
يمكن قياس ما فعله الشخص المذكور في القصة على متداولين كثر في جميع الأسواق المالية. فالكثير للأسف يدخل إليها بدون علم ولا خبرة ولا يملك أهدافا واضحة وكل ما يدور في رأسه هي الأرقام التي سمع بها عن الأرباح المُحتملة ويعتبر أنه دخل للسوق ليجني تلك الأرباح ويحقق ثروة.
المؤسف أنه مع تطور وسائل الاتصال وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي أصبح المحيط الإعلامي كاملا يدفع بالناس الى تلك الاتجاهات حتى لو كان بشكل غير مقصود. يتابع الشخص المتداول في الاسواق المالية على اختلاف أنواعها شاشات التلفزيون والمحللين عبر تويتر بهدف الحصول على الاخبار والتحليلات التي من الممكن ان تساعده في اتخاذ القرار. الا انني اجد فجوة كبيرة بين ما يحتاج الناس له وما تقدمه معظم الشاشات وجل المحللين. النسبة الكبرى من المتابعين هي من غير المختصين لكن المحتوى المقدم يفترض بشكل كبير توفر الفهم والخبرة عند المتلقي فيقلّ بالتالي المحتوى المقدم بلغة مبسطة غير غارقة بالمصطلحات التقنية.
أساس الفجوة في رأيي هو عدم التفريق بين الاستثمار والمضاربة. كل منها لها أدواتها وأساليبها لكن المتداول العادي لا يفرق بينهما ويحاول أن يحقق الربح أو يخفف خسارته بغض النظر عن الأسلوب المتبع. يبحث المتداول باستمرار عن أي إشارة من أي كان تأخذ القرار بالنيابة عنه. هو لا يبحث عن معلومات تساعده في اتخاذ القرار لكنه يريد من يقول اخضر أو احمر ليشتري أو يبيع. المشكلة أن ما يقدم له يأتي أكثره بالشكل الذي يريده أي “التوقعات”. التوقعات خلال الفترات الزمنية القصيرة مفيدة في المضاربة لكنها لا يمكن أن تستخدم عشوائيا. إدارة المخاطر المتعلقة بها تختلف من شخص لآخر فلا يمكن أن تسمع شخصا على التلفزيون يقول أنه يتوقع ارتفاع الذهب خلال الأسبوع فتذهب وتشتري الذهب بناء لذلك. المتوقِع يقول ذلك ويذهب، وقد يغير نظرته بعد ساعات أو في اليوم التالي ولكنك لن تعرف أنه غير رأيه بسبب معطيات جديدة توفرت لديه.
نصيحتي دائما أن يركز المبتديء على الاستثمار الطويل الأجل ويبتعد عن المضاربة نهائيا. المضاربة مخاطرها عالية وتحتاج وقتا طويلا وتفرغا لإجادتها. في المضاربة ينطبق عنوان المقال على كل من يضارب وهو لا يملك خبرة المضاربة. أما في الاستثمار فإن مجال تحديد وتقليل المخاطر أوسع وأكبر كما أن المستثمر يمكنه أن يبني محفظته الاستثمارية بهدوء وأن يأخذ الوقت الكافي لاكتساب الخبرة. العائق هنا أننا لا نقدم ما يكفي للتشجيع على هذا الأسلوب، وحتى عندما يتوفر ذلك فإنه يبدو غريبا أمام السيل الهائل من التشجيع غير المباشر على المضاربة العشوائية.
من جهتي أحاول من خلال الوسائل المتاحة لي أن أوضح الفرق وأشجع غيري على القيام بذلك، إلا أن الأهم يبقى اقتناع أصحاب الأموال من المضاربين المبتدئين بتغيير نظرتهم للأسواق المالية وعدم اعتبارها وسيلة للثراء السريع، فهل يفعلون؟
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال