الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
سينظم نشطاء سياسيون اليوم الجمعة مظاهرات بأمريكا ضد الإسلام، تذكرت أول أيام وصولي أمريكا للدراسة وكانت تعم معظم جامعاتها مظاهرات صاخبة ضد سياسة الرئيس نيكسون بفيتنام، نظرت يومها من نافذة غرفتي فإذا بالطلبة يتراصون لمنع المرور بشارع رئيس محاذ للحرم الجامعي، حضرت الشرطة وحاولت إقناع الطلبة إخلاء الطريق لصفوف السيارات الممتدة، بداية رفض الطلبة وبعد اشتباكات خفيفة وافقوا بشرط حضور وسائل الإعلام، فنظم لهم مؤتمر صحفي شرحوا فيه مطالبهم ونشرها الإعلام في اليوم التالي. ذهلت وأنا أتابع سيناريو المظاهرة وكم وددت أن أشاركهم، لكني امتثلت لمقولة «يا غريب كن أديب»، ثاني أيام المظاهرة قرر الطلبة قفل حساباتهم ببنك مجاور اشتهر بتأييد حرب فيتنام، وإمعانا في لوم البنك قرروا سحبها نقدا، شاهدت صفوفهم الطويلة أمام باب البنك الذي صادف أن حسابي فيه فقررت هنا مشاركتهم، الطريف أن معظمهم لم تكن تتجاوز قيم حساباتهم المئة دولار، ولأنني غريب كان حسابي حول الألف فقرر اثنان من الطلبة، دون معرفة مسبقة، مرافقتي لعبور الشارع بأمان محملا بالنقود حتى إيداعها في البنك الآخر القريب.
تلك أمريكا التي عرفت وذلك الشباب الأمريكي الذي خبرت، كان الإعلام حينها يعيش أزهى عصوره، كلمة نقد من وولتر كرونكايت المذيع الإخباري الأشهر كان يمكنها أن تسقط وزيرا، وكلمة في نيويورك تايمز أو الواشنطن بوست قد تطيح برئيس، وهذا تحديدا ما حدث مع فضيحة ووترجيت، كان وعيا شعبيا بما جرته سياسة القوة والحروب على أمريكا من ويلات في تلك المرحلة، وأفضل كاشف لها كان كتاب أنطوني سمرز «غطرسة القوة»، كانت أمريكا حينها تودع آخر أحلى أيامها وسنيها الذهبية.
ما الذي حدث خلال الثلث الأخير من القرن الماضي لتنقلب أمريكا وإعلامها رأسا على عقب؟ كمنت الإجابة في صيحة الرئيس كلينتون «إنه الاقتصاد يا غبي»، أصلح فيه كلينتون ما استطاع لكن سرعان ما اتسع الشق على الرتق، أصبح الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد مدين، أدرك المواطن الأمريكي أن حصوله على وظيفة يتطلب سياسة خارجية قوية تجلب المنافع وتحول مصالح الغير لمصالحها، وصارت الأغلبية تعيد انتخاب من يعدهم بوظيفة في اقتصاد يسوده الكساد، قبل المواطن الأمريكي أن يعيش عالة على موارد غيره، فظهر مدعو «القرن الأمريكي» بدءا بنيوت جنجرتش وانتهاء بسياسة من ليس معنا فهو ضدنا لبوش الصغير، بعدها لم تكتف أمريكا بسياسة الكيل بمكيالين ولم تعد تعايش التناقض، بل صارت تخلقه، بالأحرى تختلقه لتعيش فيه.
نقلا عن عكاظ
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال