صدر قرار مجلس الوزراء الذي تضمن الموافقة على تنظيم هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، حيث يؤسس التنظيم إلى هيئة عامة ترتبط تنظيميا برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وتتولى العمل على توليد الوظائف ومكافحة البطالة في المملكة، حيث يتم التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بسوق العمل مع تعزيز المشاركة بينها والعمل على تنمية القطاعات المولدة للوظائف واستثمار الميزة التنافسية في مناطق المملكة لهذا الغرض وينص التنظيم على إنشاء مجلس إدارة للهيئة يشكل من رئيس يعين بأمر من رئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى محافظ الهيئة “الذي يعينه مجلس إدارة الهيئة” وممثلين من عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة والقطاع الخاص.
البطالة قضية من القضايا التي تعد مؤرقة في أي مجتمع، وتسعى الحكومات إلى تقليص نسبتها، ويقاس نجاح الاقتصاد في قدرته على توليد الوظائف وتقليص أعداد المنتظرين لها، ومنذ أن أصبحت مسألة التوظيف أولوية حكومية تم إجراء تعديلات مهمة في نظام العمل، وإلزام القطاع الخاص بتوظيف المواطنين وتشجيع زيادة أعداد الملتحقين من القوى العاملة الوطنية بالقطاع الخاص، واليوم بالرغم من هذه الجهود الكبيرة إلا أن موضوع التوظيف ما زال قضية تحتاج إلى الاستمرار في تعزيز زيادة فرص العمل وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد الشباب من القوى العاملة الوطنية الملتحقين بسوق العمل، الذين تتزايد أعدادهم عاما بعد عام، باعتبار أن النسبة العظمى من المواطنين ممن هم في سن الشباب، وتوظيف هذه الفئة لا يقتصر على إيجاد أي عمل، بل إن الخطط الحكومية تتطلع إلى إيجاد فرص عمل توفر للمواطن الاستقرار، ودخل مناسب يمكنه من الإيفاء باحتياجاته وأسرته مستقبلا.
وهذا الأمر جعل من إيجاد مثل هذا النوع من الوظائف تحديا كبيرا للجهات ذات العلاقة، فالاقتصاد الوطني ضخم ويولد فرصا كبيرة بدليل أن عدد القوى العاملة الأجنبية في المملكة كبير جدا، ولم يكن لتتوافر فرص العمل لهم لولا وجود الاحتياج والفرص المناسبة في سوق العمل في المملكة، بل إن القوى العاملة الأجنبية اليوم أصبحت تحقق دخلا أضعاف ما كانت تحققه في السابق، ما يؤكد أنه حتى الوظائف التي تصنف بأنها ذات دخل منخفض أصبحت اليوم توفر دخلا جيدا. ولكن ما زالت مشكلة التوظيف تواجه بعض التحديات حاليا لعل من أبرزها:
أولا، مسألة التدريب حيث إنه بالرغم من وجود شواغر من الوظائف بأنواعها المختلفة إلا أن ذلك لا يعني وجود الكفاءات القادرة على شغلها، وقد يكون ذلك بسبب ضعف التدريب أو الخبرة أو مسألة الثقة، حيث ما زالت بعض الجهات الحكومية بالرغم من قلتها والقطاع الخاص يرى أن القوى العاملة الوطنية ليست بقدر المسؤولية، ولعل هذه المسألة بدأت تتلاشى بعد التجربة العملية.
ثانيا، موضوع وجود حد أدنى للرواتب يناسب ظروف المعيشة للمواطن، فوجود القوى العاملة الأجنبية التي تقبل بدخل أقل باعتبار أنه أفضل بكثير ما يمكن أن يحصل عليه في بلاده جعل تنافسية القوى العاملة الوطنية ضعيفة في الوظائف المختلفة، وهذا ما جعل مجموعة من مؤسسات القطاع الخاص تأخذ بالحد الأدنى المطلوب لتوظيف السعوديين، وبعض المواطنين لا يجد جدية في التعامل مع القوى العاملة الوطنية بما يزيد من مهاراتهم وإمكاناتهم وخبراتهم، وبالتالي تكون جهود التوطين للوظائف غير مثمرة بصورة كبيرة.
ثالثا، مسألة العناية بالقطاعات التي تولد الوظائف المناسبة للمواطنين، إذ إن القطاعات التي تستأثر حاليا بنصيب الأسد في نشاط التوطين هي قطاع التجزئة، وبالرغم من أهمية هذا القطاع وديناميكيته في توليد الوظائف إلا أنه يبقى قطاعا محدودا باعتبار أنه يعتمد على نشاط محلي غالبا، ولذلك من الأهمية بمكان الحرص على القطاع الصناعي باعتبار أن له نشاطا ينعكس على المستويين المحلي والخارجي من خلال التصدير، وهذا القطاع يتطلب مهارات متخصصة بعكس قطاع التجزئة في بعض وظائفه.
رابعا، تتميز هذه المبادرة من مجلس الوزراء بأنها حظيت بعناية كبيرة باعتبار أنها مرتبطة برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ولي ولي العهد وتمثيل من الجهات ذات العلاقة، ما يمثل إيجادا للحلقة الناقصة التي ترتبط بجهات التأهيل وجهات التوظيف والجهات المهمة وهي جهات التخطيط التي تستشرف وتوجه النشاط الاقتصادي الوطني.
فالخلاصة أن قرار مجلس الوزراء الذي تضمن الموافقة على تنظيم هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، سيكون ـــ بإذن الله ـــ إيجادا للحلقة المفقودة في الربط بين الجهات ذات العلاقة، وهي جهات التخطيط والتأهيل والتوظيف، بما يمثل استشراف وتوجيه القطاعات الاقتصادية الوطنية ومن ثم تأهيل القوى العاملة الوطنية وبعدها تنشيط سوق العمل بما يحقق المواءمة بين القوى العاملة الوطنية والفرص الوظيفية.
نقلا عن الاقتصادية