تشرفت الأسبوع الماضي بتسليم الجوائز للفائزين في الدورة التاسعة من مسابقة أفضل محفظة استثمارية التي ينظمها كرسي سابك لدراسات الأسواق المالية الإسلامية بالمشاركة مع كلية الاقتصاد والتمويل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. تهدف هذه المسابقة إلى تطوير مهارات الطلاب في مجال إدارة المحافظ الاستثمارية وتعريفهم بالسوق المالية السعودية والأدوات الاستثمارية المتداولة، ومتابعة أداء الشركات المدرجة بالسوق والتعرف على مؤشرات الأسواق العالمية ومدى تأثيرها على الشركات المدرجة.
ربما أهم درس خرج به الطلاب من هذه المسابقة، وهو درس مفيد لكافة المستثمرين، ألا وهو الفهم الصحيح لمعنى المخاطرة في سوق الأسهم. وبحكم تلك الأجواء الدراسية، أستميح القارئ عذرا في تقديم شرح مبسط عن مفهوم المخاطرة في سوق الأسهم.
المخاطرة بشكل عام تعني التعرض لضرر بدني أو نفسي أو مالي أو أي أمر سلبي آخر، وفي سوق الأسهم خصوصا، فالمخاطرة تعني احتمالية عدم تحقيق العائد المتوقع من مجموعة الأسهم التي سيستثمر فيها الشخص، سواء كمحفظة أو كسهم واحد فقط. فلو كان شخص يتوقع تحقيق عائد بمقدار 15 في المائة بنهاية العام من أحد الأسهم، فيصبح من الضروري معرفة مقدار المخاطرة المتوقعة، بمعنى ما احتمالية أن يأتي العائد بشكل مختلف عن المتوقع؟ بهذا المعنى، جميع الأدوات الاستثمارية تحتوي على مخاطرة ولكن بدرجات متفاوتة، أقلها الإقراض لحكومة قوية، أي شراء سندات حكومية، حيث تعتبر المخاطرة في ذلك صفرا، أي لا توجد احتمالية أن يكون العائد مختلفا عن ما هو متوقع.
لذا فالمخاطرة في سوق الأسهم لا تعني بالضرورة خسارة جزء من رأس المال، بل إنها تعني فقط مقدار اختلاف العائد الفعلي عن المتوقع.
طبيعة البشر أن الإنسان يختار المخاطرة الأقل إذا كان العائد متساويا، أي لو كان هناك سهمان متوسط العائد المتوقع لكل منهما 15 في المائة بنهاية العام، ولكن مع احتمالية أعلى في أن يشطح عائد السهم الثاني بشكل أكبر من عائد السهم الأول، فمن الطبيعي أن يختار الشخص السهم الأول لأن عائده “مضمون”بشكل أكبر. بمعنى آخر وخارج نطاق الأسهم، لو عرض على شخص مشروعان تجاريان يحقق كل منهما متوسط ربح شهري بمقدار 20 ألف ريال، غير أن المشروع الأول يحقق في بعض الأشهر ربحا بمقدار 100 ألف ريال وفي أشهر أخرى يتكبد خسارة بمقدار 70 ألف ريال، بينما المشروع الثاني أرباحه الشهرية تراوح بين 15 ألف ريال و25 ألف ريال، فأيهما سيختار هذا الشخص، على فرض تساويهما في جميع الأشياء الأخرى؟ من الواضح أن المشروع الثاني أقل مخاطرة لأنه في أي شهر من الأشهر لن يكون الربح الشهري بعيدا عن المتوسط المقدر بـ 20 ألف ريال، وبما أن العائد متساو في كلا المشروعين فمن المفترض أن يختار الشخص المشروع الأقل مخاطرة.
في إدارة المحافظ الاستثمارية، يتم أولا تقدير العوائد المتوقعة لكل سهم في المحفظة، على سبيل المثال العوائد الشهرية لكل سهم، ومن ثم يقوم مدير المحفظة، بناء على مشاهدات سابقة لحركة السهم، بحساب ما يعرف بالانحراف المعياري، وهو عبارة عن مقياس لمدى اختلاف العائد الشهري عن المتوسط، فكلما كان السهم عالي الذبذبة يصبح الانحراف المعياري أكبر، ويصبح صفرا في حال كان العائد مضمونا. من المهم إدراك أن هدف مدير المحفظة ليس تحقيق أعلى عائد ممكنا، بل إن هدفه تحقيق أعلى عائد يتناسب مع مقدار المخاطرة ويتماشى مع سياسة المحفظة، التي هي الأخرى تعتمد على رغبات المستثمرين ودرجة المخاطرة التي يقبلون بها. فلو كانت سياسة المحفظة ألا يتجاوز الانحراف المعياري الشهري 1 في المائة، فيكون من الضروري على مدير المحفظة البحث عن المجموعة المناسبة من الأسهم التي لا يتجاوز الانحراف المعياري لها جميعا 1 في المائة، وفي الوقت نفسه تحقق أعلى عائد ممكن.
أشهر مقياس لنسبة المخاطرة في المحفظة، أو لسهم واحد، هو مقياس ويليام شارب، الذي بسببه وبسبب أعمال أخرى متعلقة به، حاز ويليام شارب جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1990. هذا المقياس يربط بين العائد المتوقع ونسبة المخاطرة، ويتم بخصم نسبة العائد المضمون من العائد المتوقع وقسمة ذلك على الانحراف المعياري للمحفظة أو السهم. بمعنى آخر، مقياس شارب يقيس نسبة العائد الناتجة عن زيادة نسبة المخاطرة، فنقول مثلا إن كل زيادة في العائد بنسبة 1 في المائة يصاحبها زيادة بنسبة 5 في المائة كانحراف معياري، لذا كلما كان مقياس شارب كبيرا كان ذلك أفضل، وعند مقارنة أداء سهمين أو محفظتين نفضل ما يحقق رقما أعلى في مقياس شارب.
مقياس آخر للمخاطرة في سوق الأسهم يتعلق بما يعرف بمعامل بيتا، وهو مقياس يبين مدى تغير سعر السهم، أو المحفظة، مقابل حركة السوق. فلو كان معامل بيتا يساوي 2 فإن المحفظة ترتفع بنسبة 20 في المائة عندما يرتفع السوق بنسبة 10 في المائة، وتنخفض بنسبة 20 في المائة عندما ينخفض السوق بنسبة 10 في المائة، وهكذا. لذا فإن معامل بيتا ينظر للمخاطرة من زاوية مختلفة عن الانحراف المعياري، فهو يقيس تأثير مخاطرة السوق في السهم أو المحفظة، بينما الانحراف المعياري يقيس المخاطرة المتعلقة بحركة السهم وحده. ويستخدم في هذه الحالة لقياس مخاطرة السهم مقياس شبيه بمقياس شارب، يسمى مقياس ترينور، نسبة إلى جاك ترينور، ويختلف هذا المقياس في استخدام بيتا بدلا من الانحراف المعياري. لذا فإن هذا المقياس يربط عائد المحفظة بمقدار التذبذب المتوقع للمحفظة بحسب معامل بيتا. أي لو كان معامل بيتا للمحفظة يساوي 2، نقسم عائد المحفظة على 2، وتكون النتيجة أفضل كلما كان مقياس ترينور كبيرا. هناك محافظ تشترط سياستها ألا يتجاوز معامل بيتا مثلا 1.50، أو ربما معامل بيتا 1 فقط، فيكون أداء المحفظة متماشيا مع أداء السوق ويحقق عائد السوق نفسه.
الدرس الذي تعلمه طلبة جامعة الإمام هو أن العائد بحد ذاته لا يكفي، بل علينا معرفة حجم المخاطرة اللازمة لتحقيق هذا العائد، وتقاس المخاطرة بدرجات الانحراف المعياري للعائد وانحرافه عن المتوسط المتوقع، كما تقاس المخاطرة باستخدام معامل بيتا، الذي يقيس مدى تماشي سعر السهم أو سعر المحفظة مع حركة السوق.
نقلا عن الاقتصادية