الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
ما تلبث أسعار النفط تتصاعد إلا ويتصاعد معها الهجوم في وسائل الإعلام العالمية ضد الدول المنتجة ، وأنها السبب فيما يعانيه مستهلكي الدول المستوردة ، من ارتفاع أسعار الوقود، وتكاليف المعيشة، ثم يأخذ ذلك الهجوم منحنى آخر أكثر تركيزا على منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” ، بحجة أنها تمثل ثُلث الإنتاج العالمي، وهي أقدر على التحكم في السوق والتأثير فيه، في المقابل يتصدى طرفا آخر لا يكاد يُسمع صوته مدافعا عن أوبك، متهما في الوقت نفسه الدول المستوردة في أنها السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته نظير الضرائب التي تفرضها والتي تحصل من وراءها على عوائد تفوق ما تجنيه دول المنظمة مجتمعة، إضافة للضغوط التي تمارسها تلك الدول على أوبك لزيادة الإنتاج أملا في انخفاض الأسعار، مسببة في ذلك انخفاض في إرادات الدول المنتجة، وربما عجز في ميزانياتها، واستنزافا لموردها الناضب .
وما إن تبدأ أسعار النفط في الانخفاض، إلا ويحدث تبادل الأدوار بين المهاجم والمدافع عن أوبك، فيصبح من كان مهاجما يثني على أوبك في انخفاض الأسعار جراء زيادة الإنتاج، فانخفاض الأسعار حسب رأيهم، يبعث على الاستقرار في الأسواق، ويعزز النمو العالمي، في حين من كان مدافعا عن أوبك يصبح مهاجما لها، وأن على أوبك أن تخفض إنتاجها لوقف تدهور الأسعار، ويزعم أولئك المهاجمون أن ما يدعيه بعض أعضاء المنظمة من عدم تخفيض الإنتاج بحجة المحافظة على الحصص ما هي إلا حجة واهية واستنزاف لمواردها، وسينعكس سلبا على إيراداتها ، وفي كلا الحالتين يمكننا التمييز ومعرفة الطرف الذي يسعى لمصلحة الدول المنتجة.
إن ذلك الهجوم الذي تتعرض له أوبك في أنها السبب في ارتفاع أسعار النفط من جهة، وانهيار أسعاره من جهة أخرى يجعلنا نتساءل، هل فعلا لأوبك يد في ذلك، أم أن أوبك ضحية أطراف أخرى يتلاعبون بالسوق، وهل من المنطق أن تقوم أوبك وعلى رأسها الدول الأكثر إنتاجا في السعي لانخفاض أسعار النفط، أو حتى انهيارها، فضلا عن علمها بما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على اقتصادها وإيراداتها، وميزانياتها، بل هل المحافظة على الحصص أمرا غير منطقي وغير مقبولا في ظل المنافسة الشديدة بين المنتجين، بل إن البعض ذهب في تحليله لانهيار الأسعار إلى الفائض الذي أحدثته أوبك بسبب انشغالها بالنفط الصخري، وسعيها لإزاحة منتجيه من السوق، وكأن النفط الصخري يمثل بعبع لأعضاء المنظمة .
تلك التساؤلات لا يمكن أن نوجد إجابة مقنعة دون أن نرجع إلى الوراء قليلا لتلك الذكرى الجميلة التي بلغت أسعار النفط أعلى مستوى لها إذا قاربت 145 دولار للبرميل، ثم انهياره إلى ما يقارب 38 دولار، وهذا بدوره يخلق تساؤلا آخر عن سبب ذلك الانهيار، فإذا اعتبرنا بلوغ أسعار النفط ذلك المستوى العالي أمرا منطقيا، كان لزاما أن نعتبر انهيار الأسعار منطقيا أيضا.
يخفى على الكثير ما يحدث في أسواق النفط من تعاملات خصوصا في الأسواق الآجلة، وبما أن هذه السلعة إستراتيجية، كان مقتضى ذلك أن يُنظر لسوق النفط بأنه لعبة الكبار، فهم أقدر على قراءة وفهم الأحداث المؤثرة في السوق، وتحليل معطياته والتأثير فيه، بل والسير به في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم، وبهذا أصبح المشترين أكثر تحكما وتأثيرا في السوق من المنتجين والبائعين أنفسهم.
حينما نقلب في بيانات بورصة نيويورك (NYMEX) لتداول العقود الآجلة للسلع ، نرى تزايدا كبيرا جدا في حجم العقود المتداولة للنفط ، فكما هو موضح في الشكل أدناه والذي يبين فترتين، الفترة الأولى من 1983 حتى نهاية 2006، نلاحظ أن أقصى حجم للعقود المتداولة يوميا قارب 200 ألف عقد، والفترة الثانية من 2007 حتى الآن، بلغ حجم العقود المتداولة يوميا 800 ألف عقد تقريبا، ويتضح من ذلك الإقبال الكبير على عقود النفط الآجلة خصوصا بعد الأزمة العالمية، وهذا يعطي تصورا واضحا عن حجم المضاربات التي حدثت.
أما فيما يتعلق بأسعار النفط وحجم عقود النفط الآجلة المتداولة يوميا خلال المدة المذكورة ، وكما هو موضح في الشكل أدناه، نرى تقاربا كبيرا بين مستوى كل من سعر برميل النفط وحجم العقود المتداولة، ففي البداية كانت أسعار النفط ما بين (18-40) دولار للبرميل، يقابلها حجم متدني من التداول، ثم بدأت أسعار النفط تتجه صعودا حتى بلغ سعر البرميل ما بين (60-140) دولار للبرميل، في المقابل ازداد حجم العقود المتداولة بصورة كبيرة، وهذا يقودنا إلى استنتاج حجم التأثير الذي أحدثته المضاربات في العقود الآجلة على أسعار النفط، والتي أدت أن تصل إلى أعلى سعر وهو 145 دولار للبرميل، وهو نفس التأثير التي أدى إلى انهيار أسعار النفط لما يقارب 38 دولار للبرميل، وهذا دليل على براءة أوبك من أي ارتفاع أو انهيار للأسعار.
في المقال القادم لنفس الموضوع سنبين بإذن الله سبب ارتفاع أسعار النفط وانهياره في فترة وجيزة من 2007 إلى 2009 ، مما يعطي أوبك صك براءة من ما يحدث في سوق النفط، وسنتطرق للمحافظ على الحصص الذي يراه بعض الاقتصاديين سبب انخفاض أسعار النفط.
حبتر
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال