الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ نعومة أظافري تعلقت بكرة القدم لعبا ومتابعة كما حصل مع معظم أبناء جيلي والأجيال السابقة واللاحقة. اللعبة الشعبية الأولى في العالم أخذت حيزا كبيرا من طفولتي وقد تكون شكلت جزءا كبيرا من شخصيتي في مرحلة سابقة. كانت متابعة المباريات العالمية فيما مضى صعبة وغير متوفرة بسهولة ناهيك عن متابعة أخبار النجوم والأحداث المثيرة خارج الملعب. تتحول كرة القدم والتعلق من تشجيع للفرق واللاعبين إلى نوع من الهوس الذي يؤثر على حياة الشخص الاجتماعية والعملية. أذكر أنني بكيت بحرقة في مرة من المرات بسبب خسارة فريقي المفضل ولم أذهب إلى المدرسة لثلاثة أيام متتالية خوفا من شماتة أصدقائي من مشجعي الفريق المنافس. بعد ذلك ذهبت وشمتوا بي على كل حال.
في مرحلة متقدمة خلال دراستي الجامعية وما بعدها استمر “هوسي” بكرة القدم معي. وأعتبره هوسا وليس شغفا لأن الشغف جيد وممكن أن يكون مفيدا بعكس الهوس. كنت على استعداد لمجادلة أي من زملائي لساعات متواصلة حول المباراة التي انتهت وأخطاء الحكام وما إلى ذلك. كنت أصرف مبلغا محترما على شراء معظم الصحف والمجلات الرياضية للحصول على كل المعلومات التي تفيدني في المجادلات التافهة.
كل ذلك تغير فجأة وبقرار جريء مني أعتبره حاليا من أهم القرارات التي أخذتها في حياتي. حللت الأوقات التي أصرفها في متابعة الرياضة من ناحية المتعة التي تجلبها لي مقابل الضغط الذي تعرضني له وحللت أيضا الأوقات التي أحتاجها لتحقيق بعض الأمور العملية مثل الحصول على شهادات مهنية والتركيز أكثر في عملي. النتيجة كانت تقريبا أن 20% من الوقت الذي أقضيه في أمور متعلقة بالرياضة يجلب لي المتعة وال 80% الباقية تجلب لي الضغط والتوتر. النسب طبعا حسبما قدرتها وليست بإحصاء علمي. متابعة أهم المباريات والأخبار الرياضية كانت ممتعة بينما كانت متابعة التصريحات والبرامج التلفزيونية وتحليل المباريات تجلب لي التوتر. تدريجيا قللت من ال80% وصرفت وقتي في أشياء أخرى فحققت تقدما مهنيا وأصبحت ال 20% تجلب لي متعة أكبر لأنها لا تكون متبوعة بأي َضغط أو توتر.
في العصر الحالي يمكن لأي كان أن يقضي كل وقته في متابعة كرة القدم وكل ما يتعلق بها من التلفزيونات إلى وسائل التواصل الإجتماعي وغير ذلك. موضوع التعصب الرياضي أيضا أصبح مؤثرا جدا في المجتمع لكنه ليس ما أناقشه هنا بل الكلفة الاقتصادية على الشخص العادي كما سأشرح هنا من خلال الحسبة الافتراضية التالية.
اذا افترضنا أن الشخص العادي يتابع 8 مباريات أسبوعيا بين الدوريات المحلية والأوروبية وغيرها فذلك يعني أنه يقضي 12 ساعة كل أسبوع في مشاهدة المباريات. نضيف إليها معدل ساعة قبل وبعد المباريات لمتابعة الاستديو والتحليل فيصبح الإجمالي 20 ساعة. ثم يقوم بمتابعة برنامج رياضي واحد فقط يوميا لمدة ساعة بمجموع 7 ساعات أسبوعيا. من وسائل التواصل الاجتماعي نأخذ متوسط ساعة يوميا في قراءة التعليقات والرد عليها فنصل إلى إجمالي 14 ساعات أسبوعيا غير متابعة المباريات. ما سبق معدل ليس مرتفعا جدا بل عادي. 34 ساعة أسبوعيا لمدة 52 أسبوع تساوي 1768 ساعة سنويا.
شهادة المحاسب القانوني المعتمدة دوليا مثلا تحتاج ما بين 300-400 ساعة للدراسة وتقديم الامتحان للحصول عليها أي تقريبا 22% من الوقت الذي تم قضاؤه في متابعة كرة القدم. اذا افترضنا أن الحصول على الشهادة يحسن راتب الموظف بحوالي 20% لراتب 10,000 درهم، فإن الدخل السنوي سيزيد 24,000 درهم. بذلك تكون كل ساعة يصرفها الشخص في متابعة الرياضة تكلفه 60 درهم. هذا في سنة واحدة. لو اعتبرنا أن الحصول على شهادة مهنية سيزيد من فرص التطور الوظيفي مستقبلا ويفتح الباب أمام المزيد من زيادة الدخل فإن الساعة ستصبح مكلفة أكثر.
المثال السابق لا يفترض التوقف عن متابعة الرياضة نهائيا بل على العكس يأخذ في الحسبان متابعة معظم المباريات والكثير من الأخبار المصاحبة. يمكن القيام بالتحليل السابق في مجالات مختلفة غير المحاسبة وقد تكون الساعة مكلفة أكثر.
باختصار، بناء لحسبتي الشخصية يهدر الشخص العادي ما لا يقل عن 60 درهم مقابل كل ساعة يقضيها في المتابعة الزائدة ويحصل منها فقط على الضغط والتوتر. احسبوها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال