الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
البترول مادة طبيعية غير مصنعة، ويتم عرضه للبيع في الغالب على هيئته الأصلية، خاما. ويوجد الرخيص منه، أي ذو التكلفة المتدنية في الطبيعة بكميات محدودة وقابلة للنضوب المبكر، المتمثل في انخفاض كميات الإنتاج مع مرور الوقت. ولذلك فنحن نعتبره ثروة ثمينة للبشرية جمعاء، الذي يملكه والذي يستهلكه على حد سواء. لكن اللافت للنظر أن المجتمع الدولي، منذ بداية استهلاك المواد الأحفورية كمصدر للطاقة، لم يعط هذه المادة الاستراتيجية ما تستحق من الاهتمام والاعتناء وحسن الاستخدام. ونقصد بذلك ممارسة عدم الإسراف الذي يؤدي إلى القضاء عليه مبكرا من فرط الاستهلاك. فالذي نشاهده ونلاحظه هو العكس. فلا أحد يلقي بالا لمصير البترول الرخيص الذي يطلق عليه اليوم “البترول التقليدي”، كناية عن سهولة استخراجه وتدني تكلفته. ويستنزف العالم في وقتنا الحاضر يوميا ما يزيد على 95 مليون برميل من السوائل البترولية، وهي كمية هائلة بكل المقاييس، مع نمو الاستهلاك سنويا بما يزيد على مليون برميل. والتقدير التقريبي للاحتياطي المتبقي من هذا النوع المتيسر إنتاجه لا يتعدى تريليون برميل واحد، إذا صرفنا النظر عما تذكره الأرقام المتداوَلة إعلاميا والمضخمة بنسبة كبيرة. مع العلم أنه لم تُكتشف حقول جديدة من نوع البترول التقليدي، الحجم المتوسط، على مستوى العالم خلال بضعة العقود الماضية. وهو ما يجب أن يكون مدعاة إلى القلق، إذا أخذنا في الاعتبار صعوبة استخراج الكميات المتبقية، بعد أن بلغت معظم الحقول الرئيسية ذروة الإنتاج. ونحن لا نتحدث هنا عن الاكتشافات الجديدة والقديمة التي من الممكن تصنيفها تحت مسمى “غير التقليدي”. وهي حقول، إذا وجدت، تتميز بارتفاع التكلفة واحتمال تدني محصولها الإنتاجي، مقارنة بالكميات التي تنتجها حقول البترول التقليدي.
ونخشى أن يأتي اليوم – قد يكون ذلك في غضون عقود قليلة – الذي يكون فيه المجتمع الدولي قد فقد معظم احتياطيات البترول الرخيص واضطر إلى الانتقال إلى المصادر غير التقليدية مرتفعة التكلفة، كما هي الحال اليوم مع إنتاج البترول الصخري في أمريكا والرمل البترولي في كندا. مع العلم أن الطلب العالمي على مصادر الطاقة لا يزال وسيظل لسنوات طويلة في مسار الصعود. فليس هناك دليل مؤكد على أن نمو الطلب سيتوقف أو ينخفض خلال المستقبل المنظور، إلا ربما عندما تصل الأسعار إلى مستويات قياسية لا يتحملها الاقتصاد العالمي. وهنا قد يفتح المجال لاحتمالات كثيرة، ليس أقلها ركودا مخيفا في النمو الاقتصادي وزعزعة تهز كيان المجتمعات، لا قدر الله. والغريب أنك عندما تتصفح التقارير والدراسات الدورية التي تصدرها هيئات ومؤسسات دولية لها اعتبارها في مجال مصادر الطاقة، لا تجد فيها ما يشير إلى احتمال حدوث شح في المصادر أو تنبيه للمجتمع الدولي بخطورة الوضع المقبل، ولو من باب التلميح. بل الذي يحدث عكس ذلك تماما. فنلاحظ وجود ترويج لزمن مقبل يفيض فيه المعروض من السوائل البترولية عن مقدار الطلب. وهذا تفاؤل فيه كثير من المبالغة، إذا عرضناه على المعطيات الحالية والمستقبلية. ولعل معظم المعلومات التي تصدرها تلك الهيئات والمؤسسات لا تخلو أيضا من تأثير العامل السياسي، إلى جانب – بطبيعة الحال – كونها تعتمد أساسا على معلومات غير دقيقة، أقربها قراءة احتياطيات البترول التي يكسوها غطاء كثيف من عدم الشفافية.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال