الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
@AbdullahHabter
تطرقنا في الحلقة الماضية من هذا المقال للعلاقة بين أسعار النفط وعقود النفط الآجلة المتداولة يوميا، وبينا كيف أن العقود الآجلة أصبحت هدفا للمضاربين مما أثر على أسعار النفط، وفي هذا الحلقة سنتطرق للانهيارات التي حدثت لأسعار النفط ، بدء من منتصف الثمانينات الميلادية 1986 تحديدا، حيث انخفض سعر البرميل من 26 دولار إلى 10 دولار للبرميل، وكذلك الانهيار للأسعار الذي حدث عام 2008 من 145 إلى 33 دولار للبرميل، وكذلك الانهيار الذي حدث عام 2014 من 100 دولار إلى ما يقارب 41 دولار للرميل وفقا لآخر يوم تداول للأسبوع الماضي. ، نقف من خلال ذلك على الأسباب التي أدت لهذه الانهيارات، وهل فعلا لأوبك دور في ذلك، أم أنها باتت شماعة تعلق عليها أي تقلبات تحدث في سوق النفط، وحتى تكتمل الصورة أنصح بقراءة الحلقة الماضية من هذا المقال على هذا الرابط http://www.maaal.com/archives/83967 لتتمكن عزيزي القارئ من الربط وفهم ما يجري.
منذ انهيار أسعار النفط مؤخرا وأبك وعلى رأسها السعودية بحكم تأثيرها القوي على أعضاء المنظمة تتلقى نقدا من بعض كتابنا المحليين، في أن السياسة التي تتبعها المنظمة تقود إلى مزيد من تدهور الأسعار، مما يضر بإراداتها، وسينعكس ذلك سلبا على اقتصاد أعضاءها، كما أن هذا يُعد استنزافا لاحتياطياتها النفطية، مما يقلص من العمر الزمني لهذا المورد الناضب، وهذه حقيقة لا مفر منها، ولا أشك في حرص أولئك الكتاب على مصلحة بلدانهم، إلا أن ذلك النقد في مضمونه بعيدا كل البعد عن ما يحدث في أسواق النفط، بل يعطي دلالة واضحة على عدم معرفة أسباب انهيار الأسعار، وحجم الموقف الصعب الذي وجدت أوبك نفسها فيه دون إرادتها، ولن أتطرق في هذا المقال لمشكلتنا الاقتصادية الكبرى في جعل النفط المحرك الرئيسي لاقتصادنا المحلي، والخلل الواضح في اعتمادنا عليه، وستكون هذه الحلقة عن سبب انهيار أسعار النفط، لنرى إن كان لأوبك دور في ذلك، أم أن أوبك باتت ضحية للإعلام الغربي حال ارتفاع الأسعار، ومحل نقد لبعض كتابنا حال إنهيارها.
حينما نبحث في أسعار النفط والانهيارات التي حدثت في الثمانينات الميلادية، وفي عام 2008 ، و2014 كما هو موضح في الرسم البياني أدناه ( شكل 1 ) ، وكذلك حجم الإنتاج والاستهلاك العالمي كما هو موضح في ( الشكل 2 ) نرى مفارقة عجيبة ، بين عوامل متداخلة أدت إلى تلك الانهيارات، وسنبين أسبابها، ونستنتج من خلالها إن كانت أوبك أحد هذه الأسباب.
من خلال ( الشكل 3 ) أدناه نلاحظ ما يلي:
الارتفاع المستمر لكل من الطلب والإنتاج العالمي على النفط حتى 1979
انخفاض كلا من الطلب والعرض على النفط حتى عام 1987 مقارنة بما كان عليه عام 1979
أن انهيار أسعار النفط عام 1986 رافقه انخفاض كبير في سعر صرف الدولار(شكل 1) مما يعني انخفاض تكلفة البرميل على الدول المستوردة، وهذا يُفترض أن يؤدي لزيادة الطلب على النفط، ولكن حدث العكس إذ أن انخفاض الطلب العالمي على النفط كان نتيجة لانخفاض الكبير في معدل نمو الاقتصاد العالمي والأمريكي كما هو موضح في ( الشكل 3 ) والذي كانت بدايته عام 1980 إذ انخفض معدل نمو الاقتصاد الأمريكي من 6% إلى 2- % تقريبا، وكذلك انخفض معدل النمو العالمي من 4.5% إلى 1% تقريبا، وآثار هذا الانخفاض في الطلب من بديهيات علم الاقتصاد إذ أن انخفاض معدل النمو أدى لانزحاف منحنى الطلب (والذي ينحدر من اليسار إلى اليمين) لأسفل مما يعني انخفاض الأسعار بشكل كبير وانخفاض في الكمية المطلوبة، ورغم ارتفاع الاستهلاك العالمي للنفط مقارنة بالإنتاج العالمي منذ 1983 إلا أن ذلك لم يوقف تدهور الأسعار، وهذا الانخفاض أدى لوجود فائض في عرض النفط، مما أجبر الدول المنتجة لخفض إنتاجها لامتصاص الفائض والذي ساعد على تحسن الأسعار فيما بعد، ومن ذلك نستنتج أن هذا الانهيار حدث رغما عن الدول المنتجة وفي مقدمتها أوبك.
أما فيما يخص انهيار أسعار النفط في 2008 إلى ما دون 40 دولار للبرميل بعد أن بلغت الأسعار ما يقارب 145 دولار للبرميل، فنلاحظ من ( الشكل 1 ) أن الاستهلاك العالمي يزيد عن الإنتاج مما يعني أن الطلب على النفط يفوق المعروض منه ، إلا أن ذلك لم يمنع تدهور الأسعار، وانهيارها ولكن ما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
بالرجوع لبورصة نيويورك للعقود الآجلة نرى كما هو موضح في ( الشكلين 4 و 5 ) اتجاه كلا من السعر الآجل لبرميل النفط وحجم التداول اليومي للعقود الآجلة، ويوضح الخط الذي باللون الأسود اتجاه المضاربات في العقود الآجلة والذي يأخذ نفس اتجاه سعر النفط، أي أن المضاربات أدت إلى بلوغ النفط إلى 145 دولار للبرميل في شهر يوليو من عام 2008، وهي بذاتها التي أدت لتدهور الأسعار لما دون 40 دولار للبرميل في ديسمبر من نفس العام، أي أن الانهيار حدث في أقل من 6 أشهر ، ويرجع ارتفاع أسعار النفط نتيجة قلق المستهلكين من ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب على العقود الآجلة كما هو موضح في ( الشكل 4 )، مما عزز فرص المضاربين ودخول سيولة هائل للسوق أدت لارتفاع الأسعار، في حين ألقت الأزمة العالمية بضلالها على الأسواق العالمية دون استثناء وظهر ذلك جليا في سلوك المضاربين من خلال انخفاض الطلب على العقود الآجلة كما هو موضح في ( الشكل 5 ) مما أدى لانهيار الأسعار، ويُستنتج من ذلك أمرا بالغ الأهمية يتمثل في إنهيار أسعار النفط رغم أن الاستهلاك العالمي يفوق الإنتاج وهذا يعطي صورة واضحة أن ارتفاع أسعار النفط وانهيارها في تلك الفترة حدث دون أن يكون لأوبك دور في ذلك.
أما فيما يخص بانهيار أسعار النفط في 2014 فهذا نتيجة عدة عوامل متداخلة منها انخفاض الطلب على النفط نتيجة للقلق الذي يحيط ببعض اقتصاديات دول شرق آسيا كالصين واليابان وكوريا الجنوبية، والضبابية المحيطة باقتصاد الاتحاد الأوروبي، إضافة لارتفاع سعر صرف الدولار مما يعني ارتفاع تكلفة استيراد برميل النفط، و ترقب الأسواق العالمية وتوقعات المستثمرين باحتمال رفع الفائدة الأمريكية قبل نهاية العام، كل تلك العوامل ألقت بضلالها على حركة المضاربات في عقود النفط الآجلة، إذ يلاحظ شبه استقرار بعد الانهيار الذي حدث عام 2009 ، كما هو موضح في ( الشكل 6 ) ، كما أن التوترات السياسية في الشرق الأوسط، لم تلقي بضلالها على أسواق النفط، مما يعني والله تعالى أعلم لا نستبعد مزيدا من انخفاض الأسعار.
كل تلك الأحداث التي حدثت لأسعار النفط والأسباب التي أدت كفيلة ببراءة أوبك مما حدث، وأن ما يردده البعض من أن سوق النفط ليست سوق منتجين ، بل هي سوق مشترين، أفضل وصف، إذ يتضح ذلك من تأثيرهم على حركة السوق والأسعار.
بقي أن نرد على أولئك الكتاب اللذين يتعرضون بالنقد لأوبك خصوصا كبار المنتجين في المنظمة في عدم الاتفاق في تقليص الإنتاج بحجة المحافظ على الحصص ما هو إلا قرار خاطئ وأن أعضاء المنظمة تتحمل تتدهور الأسعار، فيبدو أن أولئك لم يأخذوا كورسا في مادة الاقتصاد الجزئي، أو يقرأوا ما يسمى بنظرية الاستراتيجيات المثلى والتي يطلق عليها نظرية اللعبة أو نظرية المبارة Game Theory ، وبإمكان أولئك الرجوع لأحد كتب الاقتصاد الجزئي أو زيارة لموقع ويكيبيديا لمفهم هذه النظرية
ولتوضيح ذلك أكثر، لنفرض أن أوبك وعلى رأسها المملكة قامت بخفض الإنتاج من طرف واحد دون الاتفاق مع نظرائهم من خارج المنظمة، من دون شك أن ذلك يؤدي لسد الاحتياج وتلبية الطلب على النفط من المنافسين الآخرين، مما يعني انخفاض الحصة السوقية لأوبك وبالتالي انخفاض إيراداتها النفطية ، وحتى تستعيد أوبك حصتها ينبغي أن تعطي أسعار تنافسية أقل، وهذا أكثر ضرر من سابقه، وفي ضوء ذلك السيناريو تزداد المنافسة بين المنتجين، وقد يؤدي لتدهور الأسعار بصورة أكبر وأسرع، فكان مقتضى الحكمة تدهور الأسعار في ظل المحافظ على الحصص السوقية الأخيار الأفضل، فربما يكون ذلك وسيلة لإجبار المنتجين من خارج أوبك للجلوس على طاولة المفاوضات واتخاذ سياسة أكثر توافقية أملا في انتشال أسعار النفط من انخفاض أكثر حدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال