الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مستشار قانوني
خَفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الدولي في 2016 بمقدار 20 نقطة أساس، إلاّ أنها لا تزال أعلى من عام 2015 بنسبة 3.6%. وليتمكن الاقتصاد الدولي من تحقيق النمو المناسب يجب تحسين بيئة الأعمال في مختلف بلدان العالم، ومن ثمَّ التمكن من استغلال الموارد الاقتصادية على أسس مواتية لتحقيق معدلات نمو متسارعة. التركيبة المعقدة للاقتصاد الدولي تحمل في طيَّاتها الاهتمام بمصير اقتصاديات الدول الكبرى التي يعتمد اقتصادها الكلي على جودة اقتصادها الجزئي وتحديداً اقتصاديات الشركات، والحديث عن الشركات لابد أن يرتبط بحوكمتها؛ لذا فإن الحديث عن الحوكمة هو حديثٌ عن أحد عوامل نمو اقتصادٍّ مستدامٍّ.
أظهرت إحصاءات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية أن مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد السعودي في العام الماضي كانت قرابة 10.13 مليارات ريال بما يعادل 2.7 مليار دولار من الناتج القومي، ما يعادل 19%. ويرى محللون أنَّه باستبعاد نسبة مشاركة مساهمة شركات بتروكيماويات عملاقة فإن تلك النسبة تنخفض إلى 5.7% فقط؛ مما تعد مساهمة متواضعة، على الرغم من الحوافز الحكومية الأخيرة، وهذا يجعل قوة القطاع الخاص منحصرةً في انعكاس أثر الإنفاق الحكومي عليه دون أن يُقدَّم في المقابل خدمةً للدولة سواء في التوطين أو بخلق قيمة مضافة على الأعمال في مقابل الأرباح الضخمة التي يحققها سنوياً.
مؤخراً كَثُرَ الحديث بجدية عن تفعيل دور القطاع الخاص عبر: تخصيص قطاعات حكومية خدمية، وتفعيل شركات مستدامة النمو من خلال حوكمة الشركات العائلية، وبتشجيع إنشاء شركات أجنبية باستثمار مباشر، وبتحويل الكيانات الاستثمارية الخاصة أو جهات نفع عام إلى أشكال قانونية كهيئة الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم، والهيئة العامة للأوقاف، والجمعيات الخيرية أو مؤسسات المجتمع المدني. وتجلى هذا في تحديث نظام الشركات، وإضفاء مرونة على نظام العمل. لكن هذا خَلقَ حاجةً ماسةً لتفعيل الحوكمة كأسلوب للحكم الرشيد لتلك الكيانات. يحمل نظام الشركات الجديد معالم إيجابية تعزز حوكمة الشركات، لكن ذلك يحمل تحديات تتطلب معالجة شمولية لبعض ما يسمى بــــــ«معضلات الحوكمة» «Governance Dilemmas» والتي من أبرزها:
«ضمانات الممارسة الأخلاقية» بعد الفضائح المالية أقّر الكونغرس قانون ساربينز-أوكسلي « The Sarbanes-Oxley Act 2002» الذي يُشدد القواعد التنظيمية في الحوكمة، ويتضمن قواعداً من شأنها حماية الممارسة الأخلاقية ومن ذلك إنشاء قناة مستقلة لتلقي البلاغات «Whistleblowing»، وضماناً مؤسسياً بالالتزام بالأنظمة عبر جهة مختص بذلك «Compliance». وبالنظر إلى الممارسة المحلية نجد فجوةً بين تنظيمات استرشادية للهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد، وقصور نصوص نظام مكافحة الرشوة عن تعقب الفساد في القطاع الخاص، بل إن استبياناً كشف عن 48٪ من الشركات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفتقر إلى تطبيق قواعد السلوك المهني، ومكافحة الرشوة والفساد، والنسبة ستنخفض أكثر في المملكة تحديداً، مما يستدعي مراجعة أشمل لضمان الممارسات الأخلاقية تشريعاً ورقابةً بحيث تساير «حوكمة سلوك الأفراد» حوكمةَ الشركات؛ لأن التعامل مع النفس البشرية لا يقل خطورة عن العمل المؤسسي.
«حوكمة الشركات العائلية» وذلك بالانتقال من مشروع الميثاق الاسترشادي إلى الإلزام للمنشآت التي لها ثقل اقتصادي، فكم من شركة يعد إفلاسها خسارة وطنية لو تُــركت بلا حوكمة. فإن لم تترجم الجهود الداعمة لحوكمة تلك المنشآت بالإلزام ستظل تلك الجهود نظريةً لا أثر لها على الواقع بحيث تنطبق مقولة «المرعى أخضر لكن العنز مريضة!». ولأن الحوكمة مرتبطة بإدارة المخاطر، تتجنب بعض البنوك إقراض الشركات العائلية والصغيرة في بعض الأحيان نظراً لغياب نظم حوكمة فعالة في هذه الشركات، وهذا تحدٍّ جديٌّ لنمو بيئة أعمال مستدامة.
«معايير تعيين أعضاء المجلس ولجنة المراجعة» من المعضلات الحقيقة للحوكمة حيث تُلزم الشركات المساهمة بتعيين لجنة للترشيحات والمكافآت في حين ينص نظام الشركات الجديد على أحقية كل مساهم في ترشيح نفسه، فما الدور الفعّال للجنة في ظل عدم قدرتها على استبعاد مرشح أو وضع معايير من شأنها تحقيق الأمر السامي الكريم الموجه لوزارة التجارة برقم (7/19772) وتاريخ 22/12/1410هـ، بشأن تشكيل مجلس إدارات الشركات من أناس تتوافر فيهم شروط الخبرة والكفاية والأمانة. أخذًا في الحسبان أن المرشح قد يكون مالكاً لكن لا تتوافر في شروط الكفاية كعضو مجلس إدارة أو حتى عضو في لجنة المراجعة، الأمر الذي يتعين معالجته بحكمة، ومرونة توازن بين الملكية والإدارة وتجعل الكفاءة هي مؤهل التعيين في الهيئات والمجالس الإدارية.
«الاختصاص الرقابي والقضائي للحوكمة» الحوكمة نظام شمولي يتداخله عدة عناصر ترتبط بعدد من الأنظمة كنظام الشركات وأنظمة السوق المالية، والأنظمة التجارية المختلفة، مما جعل الاختصاص الرقابي والقضائي في مسائل الحوكمة تدخل في منطقة رمادية بين عدة جهات رقابية، وهذا يتطلب مزيد عناية لمنع ازدواج الصلاحيات أو تداخل الاختصاص.
«الافصاح وشمولية التقارير» تنشر منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي حول الفساد في العالم، وتستقي تقاريرها من التقارير المتاحة ومن سلسلة من استطلاعات لمسؤولين ورجال الأعمال، ومراجعة عقود القطاع الخاص والعام، وحساب نسبة الشفافية والسرية فيها. وتحث المنظمة الشركات على الإفصاح الطوعي عن المعلومات ورفع التقارير عن الذات. وقد قادت جهود هيئة السوق المالية مستوى الشفافية للشركات المدرجة لدرجة متقدمة عند تطبيق سياسة «التزم أو أفصح» سنوياً «Comply or Explain»، إلا أن تلك الجهود غائبة عن الشركات غير المدرجة والتي لها ثقل اقتصادي مؤثر. وبالرغم من أن مشروع «قوائم» يوقف تهرُّب الشركات من الزكاة وتلاعب المحاسبين، إلا أن البيانات الأخرى كالمعلومات الواجب توافرها في تقرير الشركة عن أعمالها السنوي لا يزال في مرحلة تحتاج لتطوير وشفافية أكثر، فكم من منشأة تجارية تفتقر إلى وجود قاعدة بيانات فضلاً عن تحديثها دورياً ونشرها بشفافية.
«ثقافة الحوكمة المؤسسية» مضى وقت على تطبيقات «الحوكمة» على نحو كشف عن تتطور فجوات بين النظرية والممارسة فلا يزال مفهوم عضوية مجالس الإدارة تلخصه بعض المنشآت الخاصة بأنه «نادٍّ للأغنياء» الذين ليس لديهم الرغبة أو الوقت الكافي للقيام بأدوارهم، في ظل قصور نظام الشركات الجديد عن تحديد معالم عزل أعضاء المجلس أو إجراءات تقابل قانون تنحية المدراء البريطاني «Company Directors Disqualification Act» الذي يحدد إجراءات لعزل مديري الشركات حَالَ كونهم غير مؤهلين في حالات معينة من الممارسة والسلوك.
صَدَّرَتْ هيئة مراقبة السلوك البريطانية «لائحة حوكمة الشركات» بمقدمة ٍكشفت عن أن تحديث عام 2014 ركزَّ على ثقافة الشركة وسلوك مسؤوليها، بعد قياس مستوى الالتزام خلال السنوات الماضية، فزيادة المخالفات والعقوبات تدل على فجوة بين الجهة الرقابية والمنشآت التجارية، وهو ما تعمل على ردمها حمايةً للمستثمرين من إخفاقات تطبيق الحوكمة. إنَّ تغيير الثقافة ليس أمراً هيناً لكنهم وضعوا معايير تقيس مستوى الالتزام بالحوكمة.
إنَّ الحوكمة نسيج متعدد الألوان التي تعكس أطياف أنظمة مختلفة؛ مما يعني تعدد الجهات المسؤولة عن تطبيقه، فإذا انصبت الجهود على تعزيز الحوكمة في الشركات المدرجة دون غيرها، فإنَّ محصلة تلك الجهود لن تقود إلاَّ لرفع مستوى الحوكمة في الاقتصاد الوطني بما لا يتجاوز 20% فقط!. إنَّ المنشآت التجارية باختلاف أشكالها القانونية بحاجة لتعزيز مستوى الحوكمة فيها، ورقابةٍ قادرة على تعزيز مستوى شفافية البيانات، خاصةً بعد دخول منشآت كالجمعيات الخيرية، والهيئات المهنية، والأوقاف، وغيرها من الكيانات التي تدار عبر مجالس أو هيئات إدارية تتطلب حوكمة رشيدة تكمل صورة مشرقة عن اقتصادنا الجزئي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال