الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مبدأ رضا العميل او مبدأ التزام العميل او مبدأ رضا الموظف او ولاء الموظف، كلها مبادئ انتجتها المنشآت تحت وطئة المنافسة لكسب العميل بتحقيق احتياجاته ومقابلة توقعاته، والمنافسة لاستقطاب العامل المتميز وتطوير قدراته ومهاراته على النحو الذي يصبوا له هو قبل المنظمة.
العميل والموظف ما هم الا جزء من المجتمع فالمنشآت المنتجة للوظائف والمانحة لفرص عمل لائقة تقدم خدمة للمجتمع من حولها والمنشآت التي تهتم بجودة المنتجات وسلامتها من التأثيرات الجانبية الغير صحية او الغير امنة منشآت ايضا مهتمة بشأن العميل والمجتمع بشكل اوسع.
اليوم وانت تتصفح القوائم المالية لعدد ليس بقليل من المنشآت في المملكة العربية السعودية ستجد مستوى ربحية عالي وفي تصاعد في عدد ليس بيسير من تلك المنشآت، لكن في مقابل ذلك قليل ان تشاهد افصاحات كانت هامة لارتباطها بمشاريع المسئولية الاجتماعية. هدف الربحية حين يفهم على انه يتعارض مع كل ما هو انساني او قيمي يكون وسيلة لنسيان مبدأ ” المسلم للمسلم كالبنيان”. لو أخذنا نظرة مثلا على قطاع البنوك السنوات العشر الماضية سنجد مستوى ربحية عالي ولو حاولنا النظر الى المشاريع الاجتماعية سنجدها ان وجدت فهي ضئيلة اوضعيفة المحتوى والكيفية.
حين تطلق مؤسسة عاملة في مجال المياة مركز او وحدة ابحاث يعنى بكيفية زيادة صلاحية المياة للشرب واكتشاف اوجه القصور في التوجهات الحالية والعمل على اصلاح الواقع شراكة مع المجتمع بوحداته الفردية والمؤسسية هنا الشركة لا تعكس فقط صورة ذهنية ايجابية عن ذاتها فحسب بل هي ايضا تسهم في التنمية المستدامة في ذلك المجتمع. حين تطلق المؤسسة حملة توظيف وتدريب للكوادر الوطنية في برامج جادة ليست مقتصرة على عملية الدعاية والاعلان (و هدفها ليس اسماء تكدس في سجلات الشركة لاجساد مرمية في المنازل دون عمل حقيقي يساهم في رقي المجتمع)، تسهم المؤسسة في نمو خدماتها بطاقات وطنية ساهمت هي بتطويرها. مشكلة المشروع الاجتماعي الذي تذهب اليه بعض المؤسسات لدينا أنه يكون اسير النظرة الربحية فتغيب عنه احيانا قوة العمل وجودة التخطيط فيكون عملا بلا أهمية.
من الأمور الهامة التي يجب ان تراعيها المؤسسات الراغبة في الدخول في هذه الاعمال ان تعلم ان هدف الربحية متى سيطر على تلك المشاريع قد يفقد المؤسسة ذاتها قيمتها حين تحدث التناقضات التي قد تفرض على العميل عدم فهم غاية المؤسسة ومن ثم اتخاذ موقف مضاد اتجاه المؤسسة ومنتجاتها.
يقول وليام فورد الرئيس التنفيذي لشركة فورد موتور “بناء شركة قوية وناجحة وبناء حياة افضل حول العالم ليسا هدفين متعارضين بل هما جزئين هامين من خلطة النجاح طويل الامد” وبنفس الصدد يقول اندريس الفيج المدير التنفيذي لشركة ايكيا الشهيرة ” ليس جيد ان نعمل فقط ما تدعوا اليه الانظمة بل نحتاج الى ان نكون في المقدمة فيما يتعلق ببرامج المسئولية الاجتماعية”.
التبرعات والرعايات المجانية للمبادرات الانسانية والمراكز البحثية المجتمعية الفعالة واطلاق حملات التدريب والتطوير كلها نماذج لما يدعى بالمسئولية الاجتماعية لكن هل تلك البرامج توازي الحاجة داخل المجتمع؟ هل تلك البرامج حققت اهدافها اللاربحية؟ هل تلك البرامج كان لها التأثير الايجابي على الشركة والمجتمع؟
حين اطلق بيل غيتس مبادرة “The Giving Pledge” ردد كثيرا ان المجتمع يستحق ان يرد له الجميل فالمجتمع الامريكي هو من صنع مايكروسوفت العظيمة. فهل يا ترى مؤسساتنا العملاقة المتعددة النشاطات فكرت بهذا النحو. هل نعتقد نحن كمجتمع ان لدينا هذا النمط من التفكير رغم ان هذا الامر تسويقي بالاضافة الى كونه اجتماعي.
ليت كثير من المؤسسات لدينا تتمثل قول الشاعر ” لا خيل عندك تهديها ولا مال,, فليسعد النطق ان لم يسعد الحال”. نعم فليتها ان لم تحسن العمل الاجتماعي ان لا تقف احيانا امام ارادة المجتمع في تحسين مستوى معيشة افراده او تنوع مصادر دخله او زيادة وعي اجزائة او حتى محاربة الفساد بشتى انواعه. و ليت بعض المؤسسات لدينا اليوم بدلا من المساهمة في نموذج البطالة من خلال التحايل على الانظمة ان تبتكر برامج تدريبية فعالة تحفز حقا الشباب على العمل.
نعلم يقينا ان المؤسسات الربحية لم تقم لاجل الاعمال الانسانية والاجتماعية التطوعية فهي مؤسسات يدفعها هدف الربحية وهو المكون الرئيس لوجودها لكن هذا لا يعني ان لا تكون تلك المؤسسات مراعية للمجتمع من حولها فهذا المجتمع هو ايضا المكون الرئيس لنمو المؤسسة على المدى الطويل. لذا لا يجب ان يكون رأي القيادة الادارية دوما “أننا مستثمرين نعمل لتحقيق عوائد، لسنا لجان او مؤسسات خيرية” ومع احترامي لهؤلاء الاداريين فهم قاصري الرؤية فالبرامج التسويقية التي يقومون بها من خلال الدعاية والاعلان وخلافة قائمة على هدف اساس هو الاعلام بمنتج الشركة وتحفيز العميل على الشراء، لكن هل علموا باثر البرامج الاجتماعية على منشآت عالمية هادفة للربح؟ وبالتالي اقاموا برامج تسويقية مبلورة في شكل مناشط اجتماعية فعالة.أشك ان بعضهم اعطى هذا الامر جزءا يسيرا من اهتمامه.
العبء لدعم المبادرات الاجتماعية وتعزيز المسئولية الاجتماعية لدى قطاع الاعمال لا يقف عند المنتجين او المستثمرين بل يشمل العملاء والمجتمع بأكمله هل هو مجتمع يدعم تلك المؤسسات المحترمة له كمجتمع والمحاولة لرد الجميل؟ ام هو مجتمع يركض خلف تخفيض التكاليف دون مراعاة لموضوع القيم من جودة واستدامة وصحة وامن.
هل انظمتنا الرسمية و نحن كعملاء لتلك المؤسسات والقطاعات الانتاجية نحفزهم على تبني برامج المسئولية الاجتماعية؟ البعض منا يفرح ويتحدث بفخر حين يجد احد المؤسسات قدمت عملا اجتماعيا لكنه قد لا يتأثر بذلك طويلا كتأثره بظهور لاعب او فنان مناديا بشراء منتج تلك الشركة في دعاية تلفزيونية!!
شركة أبل العملاقة حين تزور احد متاجرها قد تجد بعض رجال البيع من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهنا كان توظيفا اجتماعيا مميزا، ضربت فيه الشركة عصفورين بحجر: توفير فرصة عمل ملائمة بالاضافة الى ايصال رسالة بأهمية هذه الفئة ودعمها.
شركة (TOMS) تتبرع بجزء من دخل قطاع النظارات الشمسية الى مراكز العناية بالعين الخيرية الخاصة بعلاج الاطفال المحتاجين. شركة نوكيا الفنلندية حين حدثت اعاصير بالفلبين قبل سنتين كانت اول المبادرين للاغاثة والتبرع لكونها تمتلك حصة كبيرة من سوق الاتصالات هناك (من باب رد الجميل). مكتب المحاسبة العالمي ديلويت يقدم برامج تدريبية وندوات مجانية يحث من خلالها موظفيه على التطوع بها من اجل مساعدة المنشآت الغير هادفة للربح والمؤسسات الصغيرة في النواحي الادارية والمالية.
شركة (Dell) الشهيرة تقدم برنامج (Social Innovation Challenge ) الذي من خلاله تمول مشاريع طلبة الجامعات لتطورها وتنميها خاصة تلك التي تهتم بحل مشكلات اجتماعية. والأمثلة تطول سواء محليا او دوليا لكن جميعها يتفق على ان تلك المشاريع تساهم بشكل واضح في التأثير على سمعة الشركة وصورتها الذهنية في المجتمع من حولها مما يؤثر بشكل بين على ارباحها.
هل يضع مجموعة من الاطباء لدينا فترة زمنية معينة يقدمون فيها برنامجا لعلاج الأسر المعدمة؟ هل يطلق المحامون لدينا مبادرات للمرافعة في عدد من القضايا تخص الأسر المحتاجة ؟ هل تهب المصارف والشركات المالية لدعم الجميعيات الخيرية ماليا او حتى اداريا لتكون اكثر قدرة على القيام بمهامها الخيرية؟ هل تقوم الشركات البترولية برعاية مشاريع شبابية من خلال مراحل التعليم المختلفة لتعزيز الطاقات المحلية؟ والأمثلة تطول لكنها ستكون شكلية ان لم تكن ذات محتوى صادق وعمل وافر لجعلها واقعا ملموسا مؤثرا.
خاتمة: احيانا تكون الشركة ذات رؤية اجتماعية مميزة يحملها الملاك والمجلس الاداري الأعلى لكن لم تنعكس تلك الرؤية على المستويات الادارية الاخرى ولم تظهر في خطط واستيراتيجات الشركة فكانت مجرد اماني او قيم شخصية لم تتكون في تلك الشركة بشكل اشمل. للأسف كثرة المحاولات التسويقية ذات النهم الربحي المبالغ فيه، ادت الى ان كثير من المجتمع لم يعد يثق كثيرا في مصداقية واهمية برامج المسئولية الاجتماعية المقدمة لعدم تناغمها وانسجامها مع سياسات الشركة الاخرى المختلفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال