الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مر العام الاصعب اقتصاديا منذ أزمة 2008 بثقل شديد تاركا الكثير من علامات الاستفهام حول السنوات القادمة. عناوين متعددة شغلت العالم وحركت الأسواق بحدة في فترات مختلفة.
في أوروبا احتلت اليونان صدارة الأحداث لفترة طويلة في شد وجذب بخصوص أزمة ديونها وإفلاسها واحتمال خروجها من اليورو. حكومة يسارية جاءت الى الحكم بشعارات معادية للمنظمات المالية الأوروبية والدولية لكنها رضخت في النهاية للشروط بل واضطرت للتخلي عن بعض رموزها المعارضة والسير قدما في رزمة الإصلاحات المطلوبة.
صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي والاتحاد الاوروبي أبدوا تساهلا غير مسبوق في الحالات السابقة المشابهة مما أثبت أن لا أحد يتحمل كلفة خروج أي دولة من اليورو. في غضون ذلك، وبعد طول انتظار بدأ البنك المركزي الأوروبي برنامجه للتيسير الكمي وشراء السندات أملا في دفع عجلة النمو الأوروبية إلى الأمام. لم تأت نهاية السنة إلا وكانت انتخابات إسبانيا واليونان وحتى تلك الخاصة بإقليم كتالونيا تظهر فوز “المشاغبين” والانفصاليين.
حتى في بريطانيا رسخ الحزب الحاكم أقدامه مترافقا مع وعود باستفتاء حول الخروج من الاتحاد الاوروبي. كل ذلك يوحي بأن الإيمان باتحاد أوروبي قوي بدأ يتلاشى وأصبحت الدول الأساسية فيه بقيادة ألمانيا بحاجة لجهود مضاعفة للحفاظ على ترابطه الاقتصادي أولا، كي يتمكن من العمل كمنظومة سياسية لها وزنها في المحافل الدولية.
أعتقد أن الاتحاد القوي أصبح من الماضي وأننا سنرى في المستقبل صيغا مختلفة تحافظ عليه شكلا بدون إمكانية ممارسة دور مؤثر على الساحة الدولية، مع استمرار الدول الكبرى فيه فاعلة بشكل مستقل.
في أقاصي الشرق، بدأ التعب يظهر على التنين الصيني. الاقتصاد الثاني عالميا الذي حمل الاقتصاد العالمي على كتفيه طوال فترة الأزمة بدأ نموه يتراجع بشكل طبيعي بعد النسب القياسية التي استمر يحققها عاما تلو الاخر. الدليل على أنه حمل اقتصاد العالم على كتفيه هو أنه بمجرد أن تباطأ الى نمو بنسبة 7% (وهي نسبة ما زالت تعتبر مرتفعة) دب الذعر في شتى أنحاء العالم. أثر ذلك أيضا بشكل كبير على البورصة الصينية التي تضخمت بدورها بشكل كبير كما يحدث في الاقتصادات التي تحقق نموا كبيرا، فحصل الهبوط الهاد وانتقل الى مختلف بورصات العالم وشهدنا في بعضها تراجعات لم تحصل منذ سنوات طويلة جدا.
تدخلت بعدها الحكومة الصينية في الأسواق المالية تشريعيا وتحفيزيا بالإضافة الى تدخل البنك المركزي الصيني نقديا وأيضا على خط تخفيض قيمة العملة فحدث نوع من التماسك والاستقرار. تستمر الصين في تنفيذ خططها الموضوعة منذ عقود طويلة بنجاح، وهي خططت لتحويل اعتماد الاقتصاد تدريجيا من التصدير للاستهلاك وهو ما يحتاج الى مزيد من الوقت. وضعت الصين أسسها القوية التي تستخدمها كلما دعت الحاجة كما تعدل وتطور جوانب من الخطط حسب احتياجات كل مرحلة. تستمر الصين في لعب دور اللاعب الأكثر تأثيرا في الاقتصاد العالمي لسبب بسيط جدا وهو أنها تملك من الأدوات الاقتصادية حاليا ما لا يملكه غيرها.
أكبر اقتصاد في العالم أي اقتصاد الولايات المتحدة الأميريكية تلاعب بأعصاب جانيت يالين وزملاءها أعضاء مجلس الفدرالي الأميركي. الفدرالي بأسلوبه الذي اتبعه كان رهينة للأرقام الاقتصادية بدل أن يلعب دورا في صنعها. ثلاث حزم تاريخية من طباعة الأموال تحت عنوان التيسير الكمي لم تسمح للفدرالي بأن يمضي في سياسة التشديد النقدي منذ بداية العام وذلك بسبب عدم توافق المؤشرات الاقتصادية مع التوقعات.
استنفذت بيانات الفدرالي الأميركي كل عبارات اللف والدوران إلى أن تم رفع الفائدة في شهر ديسمبر مع إعادة استخدام نفس العبارات السابقة. فشل الفدرالي في إعطاء أي تطمينات للأسواق بأن توقعاته صائبة أو أنه واثق من السير بخطته النقدية. في النهاية، استمر الاقتصاد يتحسن ببطء وسيستمر بنفس الوتيرة في عام 2016. كل ما على الفدرالي عمله هو أن لا يشيع أجواء الضبابية من جديد وهذا ما لست متأكدا من أنه سيقوم به.
النفط من جهته احتل مساحات واسعة خلال العام وعلى الرغم من أنه بدأ 2015 بخسارة نحو 45% خلال 2014، إلا أنه استمر في الانخفاض وخسر 30% أخرى في 2015. تأثيره كان على الاقتصاد العالمي كاملا وليس فقط على الدول المصدرة له.
تراجع أسعار النفط هو نتيجة لاختلال ميزان العرض والطلب والتي بدأت بتراجع الطلب مما يعني أن العجلة الاقتصادية التي تحتاج الى الطاقة تراجعت فكان من الطبيعي أن تتراجع أسعار النفط. المناوشات السياسية ثم قرارات عدم خفض الانتاج هي لاحقة لتراجع الطلب والاقتصاد وليس العكس. في كل الأحوال، التأثير السلبي للنفط على الأسواق المالية لن يكون أسوأ من السابق لأنه أصبح واقعا ومسعرا.
هذه في رأيي أبرز العناوين الاقتصادية التي طبعت العام 2015. مع أن معظمها كان سلبيا إلا انني أرى انجلاء معظمها وبداية تشكل أساسيات المرحلة المقبلة. في عام 2016 سأنتظر اكتمال هيكلة المرحلة المقبلة التي أتوقعها ايجابية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال