3666 144 055
[email protected]
AbdullahHabter@
قبل إعلان ميزانية هذا العام ومنذ أن بدأت أسعار النفط في الانخفاض حتى انهيارها والكل متوجس وقلق من تبعات ذلك على اقتصادنا المحلي، خصوصا العجز المتوقع على ميزانية العام 2015 ، والعجز المتوقع للميزانية 2016، فالنفط المتحكم الأول في أوضاعنا المعيشية، فمتوسط سعر البرميل السنوي هو الذي يحدد مقدار العجز أو الفائض المتوقع حدوثه، فأصبح الريال في قوته وكميته تتقاذفه قوتان متعاكستان في اتجاههما أولهما سعر برميل النفط والآخر قوة الدولار ، فسعر البرميل يحدد كميات الدولارات التي نحصل عليها والتي بدورها تعطي كمية محددة من الريالات تزداد بازدياد عدد الدولارات وتتناقص بتناقصها، في المقابل يلازم الضعف عملتنا المحلية طالما ذلك كان ملازما للدولار،إلا أن العكس خلاف ذلك حيث مع ارتفاع قوة الدولار يبقى الريال عاجزا عن اللحاق به، وقد تباينت الآراء والمقترحات والحلول بين الاقتصاديين بشأن سعر الصرف، فمن قائل أن الحل يمكن في خفض سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي مما يعزز صادراتنا في الأسواق العالمية، الأمر الذي يؤدي لزيادة إيرادات الدولة ويقلص العجز، في حين نادى الطرف الآخر ببقاء سعر صرف الريال ثابتا، بحجة أن خفضه سينتقل تأثير ذلك على المواطن لاعتمادنا الكبير في استهلاكنا على السلع المستوردة، وعلى أمل أن تتحسن أسعار النفط مستقبلا.
إن وجهة نظر المنادين بخفض سعر صرف ريال مقابل الدولار لدعم الصادرات السعودية، مقبول من الناحية الاقتصادية فخفض سعر الصرف يعزز من منافسة الصادرات لأي دولة، إلا أنه في مثل وضعنا الحالي أمرا صعبا بعض الشيء فأغلب صادراتنا من البتروكيماويات والتي مازالت تتلقى دعما حكوميا بدونه ما كان لذلك القطاع أن ينافس ويحقق أرباحا هائلة، أما المعارضون لذلك فقد كانوا منطقيين أيضا، فخفض سعر الصرف سيضر بالمستهلك وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومزيدا من الضغوط التضخمية، إلا أنه في المقابل سيؤدي إلى تخفيض العجز في ميزانية الدولة.
ومن دون شك وجود صعوبات وعوائق تكتنف خفض سعر صرف الريال مقابل الدولار، أهمها في مثل وضعنا الاقتصادي هو ارتفاع تكلفة السلع المستوردة على المستهلك، وحدوث مزيد من الضغوط التضخمية ، فالملاحظ على الريال منذ تثبيت سعر صرفه مقابل الدولار، وهو يعاني تبعات ذلك خصوصا مع ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة، فمعلوم بديهيا أن ارتفاع سعر صرف الدولار تزداد قوته الشرائية، وبالتالي تزداد تبعا لذلك القوة الشرائية للريال، إلا أن أثر ذلك على الريال يكاد يكون ضعيفا أو شبه منعدم، ولنوضح ذلك ، لنأخذ سعر سلعة ما بالين الياباني والوون الكوري، وكيف أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل عملات تلك الدول، يؤدي لانخفاض سعر هذه السلعة بالدولار والريال، كما هو موضح بالجدول أدناه، مع عدم الأخذ بعين الاعتبار انخفاض تكاليف الشحن والتأمين في 2015 عنها في 2012
نلاحظ من الجدولين أعلاه انخفاض سعر هذه السلعة بالدولار، والذي بدوره أدى لانخفاض سعرها بالريال، إلا أن الملاحظ على أرض الواقع أن أسعار السلع المستوردة، مازالت في مستوياتها المرتفعة رغم ارتفاع سعر صرف الدولار، عندها نتساءل أين يكمن الخلل ، هل أصبح ضعف العملة المحلية التي يرددها الكثير، خصوصا بعض الاقتصاديين، ورجال الأعمال، فضلا عن العامة سمة ملازمة للريال، أم هناك طرف يستفيد من فروقات أسعار الصرف، مما يجعله يحقق أرباحا كبيرة جدا على حساب المستهلك النهائي.
عند النظر في العوامل المؤثرة في التضخم في المملكة وارتفاع تكاليف المعيشة نجد أكثرهما تأثيرا هو ارتفاع أسعار السلع المستوردة أو ما يُعرف بالتضخم المستورد، إضافة لارتفاع الإيجارات وأسعار المساكن والتي قد يكون لها النصيب الأكبر في فاتورة المواطن المعيشية، ولكل يدرك الفرق الكبير بين الأسعار حاليا، وما قبل 2007.
يجب أن ندرك أن قرار خفض سعر صرف الريال ليس بالأمر السهل، وسيكون له ردود فعل عكسية تجاه الريال، ومزيد من الشكوك حول الوضع الاقتصادي للمملكة، وهذا ما جعل محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور فهد بن عبدالله المبارك يؤكد على بقاء ربط الريال بالدولار عند 3.75 للدولار الأمريكي، نتيجة للمضاربات على الريال، كما أن خفض سعر الصرف سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع وأعباء المعيشة على المستهلك مما يعني مزيدا من الضغوط التضخمية ، إلا أن التمعن جيدا في الأوضاع الاقتصادية العالمية، وانخفاض حجم الصادرات لبعض الدول الصناعية،والتباطؤ في معدلات النمو، والتقلبات الشديدة في الأسواق العالمية، إضافة للاحتياطي الكبير للمملكة من النقدي الأجنبي ، يجعل هذا الوقت بالذات مهيئا والأنسب لخفض سعر صرف الريال مقابل الدولار في حالة استمرار انخفاض أسعار النفط استناد لبعض الأنظمة والمعطيات والظروف الاقتصادية والتي سيتطرق لها المقال، والتي قد تساعد بإذن الله على امتصاص تلك الصدمة والتخفيف منها.
الأول / القرار الحكيم الذي اتخذه الملك سلمان وفقه الله بفتح السوق السعودي للشركات العالمية، وفتح نشاط تجارة التجزئة والجملة بملكية 100% للشركات الأجنبية لمنتجاتها، ما يعني أن أي شركة تملك منتجًا تجاريًا موجهًا إلى المستهلك يمكنها الدخول إلى السوق السعودي مباشرة من دون وسيط سعودي.
الثاني / الأوضاع الاقتصادية الحالية والمتوقعة للاقتصاد العالمي خصوصا أبرز الشركاء التجاريين للمملكة وحجم ونوع الواردات من كل دولة، والجدولين أدناه إضافة للرسم البياني، تبين أبرز الشركاء التجاريين للمملكة، وأهم السلع المستوردة، ونسبة واردات المملكة من إجمالي صادرات الشركاء التجاريين.
الثالث / القدرة على التقليل من أثار خفض سعر الريال، أو حدوث مزيدا من الضغوط تضخمية من خلال التقليل من معدل التضخم المحلي بالإسراع في حل مشكلة السكن وارتفاع الأجارات، مما يخفف من تكاليف المعيشة على المستهلك.
السؤال المهم ما علاقة ما سبق بخفض سعر صرف الريال.
قبل الإجابة على السؤال سنأخذ لمحة موجزة عن الأوضاع الاقتصادية لبعض الشركاء التجاريين للمملكة.
فنجد حالة التباطؤ التي بدأت معالمها واضحة على اقتصاد بعض الشركاء التجاريين الأبرز للمملكة، كالصين وكوريا الجنوبية، فالصين مثلا بدأت تعاني من شبح انخفاض معدل نموها السنوي، فقد بدأ ذلك جليا في القرار الذي اتخذته الصين بخفض سعر اليوان الصيني لتعزيز صادرتها كأسلوب مناورة لإنعاش اقتصادها، كما أن الصادرات اليابانية والكورية شهدت انخفاضا كبيرا خلال الربع الرابع لهذا العام 2015، فقد انخفضت الصادرات الكورية بنسبة 13% هذا العام على أساس سنوي بناءا على تقرير وزارة التجارة الكورية، كما انخفضت الصادرات اليابانية بنسبة 2%، إضافة لحالة الكساد التي يعاني منها الاقتصاد الياباني، هذا غير الضبابية التي ما زالت تحوم حول الاقتصاد الأمريكي، وهذا الانخفاض في الصادرات قد يعجل بحرب عملات وشيكة بين الدول الصناعية من أجل تحفيز اقتصادها، ودعم صادراتها، وهذا ما تخشاه الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن رفع الفائدة الأمريكية مؤخرا كان له أثره الواضح على سلوك وقرارات المستثمرين، والذي انعكس بدوره على أداء الأسواق والبورصات العالمية، مع احتمال أن يتبع ذلك قرار آخر برفع الفائدة الأمريكية، في رسالة إلى الأسواق العالمية لتشديد تدريجي للسياسة النقدية، والذي سيلاقي بضلاله على الاقتصاد العالمي ،وقد يصطدم مع سياسة التيسير الكمي التي تنتهجها اليابان، ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة لارتفاع سعر صرف الدولار، كل تلك العوامل من المرجح والله تعالى أعلم أن تؤدي إلى آثار عكسية على أداء الاقتصاد العالمي، وانخفاض في معدلات نموه.
لنأتي الآن للإجابة عن السؤال عن علاقة ما ذكر سابقا بخفض سعر صرف الريال مقابل الدولار.
لنفرض أن مؤسسة النقد قررت خفض سعر صرف الريال مقابل الدولار، ما الذي سيحدث، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، إضافة لارتفاع تكاليف الأيدي العاملة، أيضا، وهذا سينعكس سلبا على الطلب المحلي، إما من خلال انخفاض الطلب على سلع معينة، أو البحث عن سلع بديلة، أو حتى ترشيد الاستهلاك ، وهذا الانخفاض في الطلب المحلي يضغط على حجم الطلب على سلع الشركات المصنعة، وبالتالي على إيراداتها وأرباحها، وهذا التأثير السلبي سينتقل أثره على حجم صادرات تلك الدول التي تنتمي لها الشركات، هذا إذا أخذنا بالاعتبار حجم ونسبة واردات المملكة من حجم صادرات تلك الدول، مما سيؤثر على معدلات نموها الاقتصادي، والذي تعاني أصلا قبل ذلك انخفاض في حجم صادراتها، ومعدلات نموها كما ذكرنا سابقا، فتضطر الشركات المنتجة إلى عدة خيارات:
الاتفاق الضمني بين الشركات سواء المنتجين أو وكلائهم، ببقاء الأسعار كما هي عليه، أو رفعها، وهذا الخيار سيكون أثره العكسي أشد، لوجود بدائل أخرى أقل سعر، وقد يؤدي إلى عدم الإقبال على منتجات تلك الشركات لارتفاع أسعارها مقارنة بسلع أخرى مماثلة، وهذا بدوره سيؤدي إلى تراكم المخزون فتضطر الشكات لخفض أسعارها، وربما بشكل أكبر.
أن تلجأ تلك الشركات إما إلى تقليص تكاليفها، وقد يكون هذا خيار معقد، في ظل وجود منافسين آخرين سيعمدون لنفس السيناريو، أو أن تلجأ الشركات لخفض أرباحها أملا في تصريف منتجاتها والمحافظ على حصتها السوقية، مما يؤدي لخفض أسعار تلك السلع في السوق المحلية
أن تلجأ الشركات للدخول للسوق المحلية بنفسها ولاستفادة من القرار الملكي بفتح السوق السعودي للشركات العالمية، والاستثمار المباشر دون الحاجة إلى وسيط، فتستأثر بأكبر قدر ممكن من كعكة الأرباح قد تكون أقل، بدلا من اقتسامها مع وسيط، وبلا شك أن دخول تلك الشركات للسوق السعودي يُعد مكسبا كبيرا، له أبعاده السياسية والاقتصادية، وهذا سيضغط على منافسين آخرين لاتخاذ قرارات مماثلة، الأمر الذي يصب في مصلحة الاقتصاد من خلال إكساب الريال والاقتصاد مزيدا من الثقة، وفتح السوق المحلي والحد من الاحتكار الذي يعاني منه اقتصادنا، إضافة لمنح الحكومة ميزة تفاوضية مباشرة مع الشركات المصنعة، والحصول على أسعار أقل لتلبية طلباتها مما لو كانت من خلال وسطاء مما يوفر أمولا لخزينة الدولة، إضافة لتقليل من الضغط على جيب المستهلك النهائي، وإيجاد تنافس بين الشركات في تقديم خدمات مميزة، وأسعار تنافسية أقل مما هي عليه الآن.
أما فيما يتعلق بارتفاع تكليف الأيدي العاملة المستوردة والتي يهمها ما تتقاضاه بالدولار، فانخفاض سعر الصرف يؤدي إلى مزيد من الأجور التي تطالب بها الأيدي العاملة المستوردة، وهذا يجبر القطاع الخاص للقيام بدوره الوطني من خلال توظيف الأيدي الوطنية، والمساعدة في تقليل نسبة البطالة التي أصبحت داء يعاني منه اقتصادنا الوطني.
هذه بعض النقاط الإيجابية لخفض سعر صرف الريال، وحتى لا نُطيل على القارئ الكريم، في الحلقة القادمة بإذن الله من هذا المقال نكمل الحديث عن أهم الإيجابيات الأخرى لخفض سعر صرف الريال.
حبتر
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734