3666 144 055
[email protected]
زيارة شي جينبينغ رئيس جمهورية الصين للمملكة تأتي في وقت حساس لنا وللصين من الناحية الاقتصادية. فهذا البلد منذ أن أقمنا العلاقة الدبلوماسية معه عام 1990 وهو يعيش قفزات اقتصادية. وهذه النمو غير الطبيعي الذي كان في وقت من الأوقات يتعدى 11% قد أهله إلى أن يصبح شريكنا التجاري رقم 2. وعلى هذا الأساس تطورت العلاقة معه عام 2008 إلى مستوى الصداقة الاستراتيجية. أما الآن فإن هذه العلاقة قد وصلت إلى مستوى الشراكة الشاملة لتضم بالإضافة إلى الاقتصاد بقية المجالات الأخرى.
إن أحد مقالاتي المترجمة للغات الأخرى كان مقال “أمريكا والصين” والذي ترجم للغة الإنجليزية مع بعض الشتائم ولكن بعنوان مختلف: China Model’ May Leave ‘Washington Consensus’ in the Dust. ففي هذا المقال أشرت إلى أن النموذج الصيني إذا لم يتعرض خلال الفترة المقبلة إلى انتكاسة خطيرة فإن الصين سوف يكون بإمكانها فرض نموذجها وبسط هيمنتها وإرساء مبادئ التطور الاقتصادي والسياسي العالمي كما فرضت الولايات المتحدة نموذجها في “إجماع واشنطن”. ومثلما نرى فإن الصين تمر الآن بامتحان إذا لم نقل عنه عسيرا فإنه غير سهل البتة.
والأمر يعود إلى أن النموذج الصيني يتميز بتدخل القطاع الحكومي المتزايد في الاقتصاد. فالصين رغم التطور الذي شهدته لا تزال صينين. فهناك الصين التي يدار اقتصادها وفقاً للخطط الحكومية وهناك السوق التي لا تقبل دائماً تلك الخطط. وهذا النزاع بين الصين المدارة من قبل القطاع الحكومي وبين الصين التي تتحكم فيها قوى السوق قد وصل على ما يبدو إلى مرحلة يطلق عليها في السياسة ازدواجية السلطة. وهذا طبعاً أمر خطير إلى حد ما. فالتدخل الحكومي في الاقتصاد قد أدى إلى نمو أصبح مع الزمن غير متناسب. وهذا يشمل سعر صرف العملة اليوان وكذلك قطاع العقار والتشييد والبناء وسوق الأسهم وغيرها. ولذلك صرنا الآن نسمع صوت السوق الذي يحاول أن يرفع نبرته ليقول للحكومة الصينية كفى.
وأنا أعتقد أن الحكومة الصينية سوف تحاول جهدها الإصغاء لما يقوله السوق. ولكن المعضلة إن اقتصاد الصين كبير جداً يصل إلى أكثر من 9 تريليونات دولار وعدد سكانها كذلك يتجاوز 1.3 مليار نسمة. ولهذا نرى الحكومة الصينية تحسب ألف حساب قبل أن تقدم على أية خطوة. وهذا أمر منطقي ومفهوم. ولكن السوق لها لغة أخرى. فهي ترغب أن ترى على الواقع إجراءات أكثر جذرية. ولهذا فإن هناك شد بين القرارات الحكومية التي تستهدف موازنة الأمور من كافة النواحي وبين إرادة السوق التي نفذ صبرها. وهذا التوتر يجد لنفسه صدى واسع ليس فقط في الصين وإنما في بقية الأسواق التي صار الاقتصاد الصيني لها منذ عام 2008 بمثابة القاطرة.
ولذا فإن الصين الآن هي على مفترق طرق. فإما أن تتمكن القرارات الحكومية من إعادة التوازن للاقتصاد كما أعتدنا على ذلك خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية. وإما أن تفرض السوق ناموسها. والصين كما يبدو لي غير جاهزة حتى الآن للخيار الأخير.
ولذلك وفي مثل هذه الظروف لا يسعنا الا ان نأمل بأن تتخطى الصين كافة الصعوبات وتعاود جر اقتصاد العالم إلى الأمام من جديد.
نقلا عن الرياض
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734