ما زلت أعتقد أن التعليم لن يتحسن كثيرا في وسط اقتصادي واجتماعي لا يجيد إدارة الحوافز ــ أقصد الحوافز في أوسع دائرة لها ــ دائرة يترابط فيها المالي مع آلية للتخلص من المقصر، مع إعادة مركزية المعلم في المجتمع. الدائرة الأوسع أن يكون الاقتصاد أكثر تنافسية داخليا وخارجيا. تفاعل الناس مع التعليم معقد ولكن النجاح الوظيفي ماليا ومعنويا مركزي في نظرة الجميع على المستويين الفردي والعائلي. إن التعليم عملية طويلة لا تظهر نتائجها سريعا. الوسط الذي يسبح فيه التعليم أقوى من الوزارة مهما كانت الرؤية والملكات الإدارية، ولكن يبقى هناك من يستطيع عمل الكثير، ومن لديه القدرة على الإسهام في تحويل التعليم.
يأتي الوزير الجديد في ظل سقف توقعات ليس عاليا، مما يخفف الضغط، وقد يستطيع أن يحدث مفاجأة سارة. لا أحد يشك في النيات وحتى العزيمة من خلال الميزانيات المتزايدة للتعليم، ولكن التعليم لم يحقق اختراقا حقيقيا لأسباب معقدة ولكنها في نظري لا تخرج كثيرا عن إدارة منظومة الحوافز المجتمعية وكفاءة ومهارة القائمين على العملية التعليمية (أحد الأسباب أن أغلب الإداريين لم يتلقوا تعليما من الدرجة الأولى). اعتاد البعض على أخذ نصائح معلبة حول دور المركزية مقابل اللامركزية أو المناهج أو تعليم اللغات الأجنبية أو إعادة تأهيل المعلم من خلال اختبارات كفاءة دورية أو القدرة على إبعاد المعلم المقصر، ما يجمع هذه وغيرها من العناصر أنها تحاول في حلول جزئية من منظار مثالي. هذه ضرورية ولكنها عادة تنتهي بالتحسر وحتى الإحباط لأنها تبتعد عن التعامل مع “الوسط البيئي”. هذا الوسط يتطلب أدوارا لأكثر من وزارة وخاصة “الاقتصاد” و”العمل” ورؤية متماسكة من قبل وزير التعليم.
أحد أهم أدوار التعليم أنه وسيلة للتقدم المادي والمعنوي في المجتمع على المستوى الفردي، ولكن محصلة الجهود الفردية عمل جماعي اقتصادي تستطيع به المملكة المنافسة عالميا. مما ذكر تقرير ماكنزي أن أداء الطلاب السعوديين كان ضعيفا وأقل من المتوسط العالمي بمسافة، في أحد اختبارات العالمية المعروفة TIMSS ــ المعيار العالمي وقياسه للمنتج الأخير هو الاختبار الحقيقي للوزارة، وهذا لن يرحم أحدا أو يقبل التبريرات مهما بدأت معقولة في نظر البعض. الدورة التعليمية في التعليم العام 12 سنة، ولذلك فإن التقييم لن يكون سريعا. ولكن في المدى القصير لا بد من دعم مؤثر للوزير، وعلى أكثر من مستوى وصعيد. كما يتطلب أن نتحمل تكلفة الإصلاح، إذ إن أحد تداعياتها التخلص من عدد مؤثر من المقصرين، وخاصة المعلمين ودعم المجتهد منهم. نعيش في عصر اقتصادي، ولذلك لا بد من علاقة أكثر وضوحا بين أداء الوزارة وأداء مخرجاتها بعد إعطاء الوزارة سلطات إدارية أكثر.
يتردد كثيرا أن التعليم الجيد يتطلب أدوارا للبيت والمعلم والمنهج والمبنى، ولكن هذه أضلاع يصعب تماسكها دون تفاعل وحراك اقتصادي تنافسي. لن تنجح الوزارة وحدها ولكن سنفشل جميعا إذا فشلت هذه الوزارة. لا بد أن نقبل المنافسة والتوزيع الطبيعي للمواهب وحتمية دور الانضباط والمساءلة. هذه مسائل مؤسساتية وليس إطار يتحدث عن الجزيئات أو مثالية فوقية، الوزير يأتي مسلح برؤية وعلينا دعمه وتمكينه ومراقبة الأداء.
نقلا عن الاقتصادية