الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اقتصادية سعودية
Ameerah_eco@yahoo.com
حاولت يلين أن تنهي عصر الفائدة الرخيصة أكثر من مرة، وفعلتها أخيرا في ديسمبر الماضي مع الكثير من الحذر والترقب، وكان الفيدرالي الامريكي قد استخدم الفائدة المتدنية كإجراء تحفيزي نقدي لانعاش الاقتصاد أثناء الأزمة المالية العالمية التي ظهرت بوادرها في أغسطس 2007 وتعمقت في العام الذي يليه.
ومنذ لحظة قيام الفيدرالي برفع الفائدة 16 ديسمبر الماضي والأنظار تتجه إلى ملاحظة أثر هذا القرار على تَحْسُن الاقتصاد الامريكي، وبالفعل أظهرت البيانات الشهرية مؤشرات مقبولة للنمو وسوق العمل حيث يواصل معدل البطالة الفعلي اقترابه من المعدل الطبيعي.
وفي الحقيقة أن انتهاء هذه الفصل من المسرحية التاريخية للسياسة النقدية يثير الكثير من الأسئلة ،فإذا كان الاقتصاد الامريكي يتحسن حتى بعد رفع الفائدة-كما تراه يلين- مالذي يمكن أن يحدث ببقية الاقتصاديات ،هل ينطوي على رفع الفائدة الامريكية ظهور فئة من المتضررين؟ وهل تحسن نمو الاقتصاد الامريكي يمنع تمتع غيره بالعافية وكيف تبدو طبيعة العلاقة المحتملة بين تحركات سعر الفائدة والأنشطة الاقتصادية في دول أخرى؟
طوال السبع سنوات الماضية تمكنت بعض الاقتصاديات الناشئة من الاستفادة من الظروف السيئة للاقتصاد الامريكي حيث ساهمت مستويات الفائدة المتدنية والرخيصة في فتح شهيتها للاقتراض، كما عززت هذه الظروف تدفق رؤوس الأموال إلى عدد من الدول الناشئة بحثا عن عائدات أكبر و ساعد ذلك في تمتعها بمعدلات نمو ملحوظة.
وبطبيعة الحال فارتفاع سعر الفائدة سيترك أثرين على الاقتصاديات الناشئة، يتعلق الأول بتدفق رأس المال حيث ستعاني الاقتصاديات الناشئة من انخفاض أو هروب تدفقات رأس المال capital flight بحثا عن عائدات أكبر،أما التأثير الثاني يتعلق بـارتفاع تكاليف السداد، فكل صعود للفائدة الامريكية سيمثل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاديات الناشئة ويثير المخاوف حول مخاطر التخلف عن السداد والتصنيف الائتماني.
و في الحقيقة أن التدفقات العكسية ليست أمراً سهلاً ،ويمكن وصفها بأنها غير “مهذبة” على مطلقها ،فعلاوة عن أنها تلقي بظلاله على ميزان المدفوعات ومعدلات النمو، فهي تأخذ وقتها وتمارس فعاليتها، ومن يستطيع تلطيف حدتها هي فاعلية الأدوات الاقتصادية في أيدي صانعي السياسة.
وهذا مايفسر مالذي يمكن أن يُؤَوَّل إليه الوضع الاقتصادي لهذه الدول، فعودة الإنتعاش للإقتصاد الامريكي سيخلف آثار سلبية على نمو هذه الاقتصاديات. ومازلت اعتقد أن رفع الفائدة يخبئ أخطار ملفوفة في طريقها للانكشاف وستظهر بصورة أكثر وضوحا مع عملية الرفع للمرة الثانية و مابعدها.
كانت الأزمات المالية التي تعرضت لها بعض الأسواق الناشئة ذات صلة برفع الفائدة الامريكية ولو تذكرنا الأزمات التي حصلت للأسواق الناشئة في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية أزمة ديون أمريكا اللاتينية والأزمة المكسيكية سنجد أن الأزمتين قد سبقهما رفع في أسعار الفائدة، ولطالما كانت السياسة النقدية الأمريكية مسؤولة عن التقلبات فِي الاقتصاديات الناشئة.
لا يعني ذلك أننا سنواجه بالضرورة أزمة مماثلة؛ لعدد من الاعتبارات التي يطول شرحها ولكن الذي لاشك فيه هو تعرقل معدلات النمو،لا أحب القاء اللوم على يلين أو الفيدرالي الأمريكي بل على صانعي السياسة في الدول الناشئة، كيف تم توظيف هذه التدفقات خلال السنوات الماضية و إلى أي مدى تم الاستفادة منها وإلى أي القطاعات وجهت! وماهي الاجراءات التي اتخذتها للحّد من تطور العلاقة بين الفائدة الامريكية ودورات الأعمال؟
خلاصة القول أنه بطرف النظر عن تأثيرات السياسية النقدية الامريكية المتمثلة في سعر الفائدة على الاقتصاديات الناشئة فإن ما يعمّق من التحديات التي تواجهها اليوم هو تزامن رفع الفائدة مع تباطؤ النمو الصيني و انخفاض أسعار السلع التي تمثل أهمية عالية لهذه الاقتصاديات، هذه التطورات مجتمعة ستولد ضغوط كبيرة لهذه الدول . ونظرا لما تمثله هذه الاقتصاديات من اهمية نسبية كبيرة للناتج العالمي، يجعل من المسلم به القول أن توعكها ضار وعافيتها مطلوبة.
السملق
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال