الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
سجل التاريخ للعام الميلادي الجديد 2016 بداية أحداث مؤلمة، حينما اكتست الأسواق العالمية باللون الذي يبعث على القلق والخوف، في منظر عبثي، اختلط بالحزن نتيجة للخسائر التي لحقت بالمضاربين، وزاد من درجة عدم اليقين حيال الاقتصاد العالمي، والصين خصوصا، التي استحوذت على عناوين وسائل الإعلام العالمية، وأصبحت محط أنظار العالم في هذه الفترة بالذات، الأمر الذي أدى أن يتجه المستثمرون إلى المعدن النفيس بحثا عن ملاذ آمن مما جعله يرتفع بنسبة 4% من مستوى 1070 دولار للأوقية في أقل من أسبوع إلى 1109 دولارات، وقد تباينت آراء وتحليلات الاقتصاديين تجاه الاقتصاد الصيني، واحتمال تراجع أو تباطؤ نموه، وتأثير ذلك في الطلب على الطاقة، وحجم التبادل التجاري، الأمر الذي قد يُدخل الاقتصاد العالمي في نفق مظلم، سوى ضوء خافت بيد أكثر الاقتصاديات تأثيرا في العالم.
بات الكثير هذه الأيام يتساءل عن مستقبل الاقتصاد العالمي، باحثا عن إجابة أشبه بقشة الغريق، هل أصبحنا على أعتاب أزمة عالمية أخرى، أم أن هذا أشبه بالكبوة، يمكث بعدها العالم فترة يسيره ليعاود نموه.
وللأسف أن بعض المحليين والاقتصاديين يتجاهل المصالح السياسية، وتأثيراتها على حركة الأسواق، وكيف أن وجود تضارب بينها، قد يجعل من الاقتصاد سلاحا أسهل في استخدامه من القوة العسكرية، حتى وإن كانت حجم الخسائر أعلى من ذلك بكثير، وما حدث لروسيا مؤخرا أكبر دليل على ذلك، فرغم أن روسيا وما تمثله من قوة عسكرية باتت تعاني من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من قبل الغرب، فقد انخفض سعر صرف الروبل مقابل الدولار انخفاضا كبيرا، فقبل فرض العقوبات كان سعر الدولار يبلغ تقريبا 33 روبل، في حين سجل الدولار مؤخرا ما يقارب 79 روبل، أدى ذلك أن يرتفع معدل التضخم من 6% إلى 15% هذا خلاف انخفاض أسعار النفط، وهنا نتساءل هل ما حدث للصين منتصف العام الماضي وبداية هذا العام يمكن أن يُسمى “قرصة أذن”، وهل التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تجاه بحر الصين الجنوبي يجعل من الصين هدفا في زعزعة اقتصادها، والذي لو حدث سيكون له تأثير غير مباشر على الاقتصاد العالمي، وأسعار الطاقة خصوصا.
تشير البيانات الإحصائية أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر شريك تجاري للصين، حيث تبلغ حجم صادراتها لأمريكا ما يقارب 466 مليار دولار، في حين أن وارداتها من أمريكا تبلغ 123 مليار دولار، بمعنى أن الولايات المتحدة تستحوذ على 20% تقريبا من إجمالي صادرات الصين، بينما تبلغ نسبة الصادرات الأمريكية للصين ما نسبته 7.5% من إجمالي صادراتها، مما يعني ميل الكفة لصالح الولايات المتحدة مقابل الصين، مما يجعلها في وضع تفوضي أقوى، إضافة للتحديات التي قد يواجهها الاقتصاد الصيني بسبب الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ.
منذ أن بدأت التوقعات السلبية حول أداء الاقتصاد الصيني منتصف العام الماضي، واحتمال انخفاض معدل نموه، وتأثير ذلك على أسعار النفط، مرورا بقيام الصين بخفض عملتها أملا في إنعاش صادراتها، وإعطاء مؤشر إيجابي أن اقتصادها قادر على تجاوز الأزمة، وطمأنة المستثمرين، إذا برؤوس الأموال بدأت تأخذ طريقها للخروج، فقد بلغت الأموال الخارجة من الصين ما يقارب 800 مليار دولار نتيجة للقلق المتزايد من أداء الاقتصاد، وارتفاع سعر الفائدة الأمريكية.
كما تشير البيانات أن احتياطي الصين من النقد الأجنبي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ عامين تقريبا، بنحو 660 مليار دولار، ليصل إلى 3.33 ترليون دولار، بعد أن بلغ أعلى مستوى له في يونيو 2015 ما يقارب 3.99 ترليون دولار، بانخفاض مقداره 15%، وفي ديسمبر 2015 تحديدا انخفض احتياطي الصين من النقد الأجنبي ما يقارب 108 مليار دولار لدعم اليوان.
إن المتأمل في هيكل الاقتصاد الصيني يرى بونا شاسعا بينه وبين الاقتصاد الأمريكي، ورغم هذا الاختلاف الواضح إلا أن الكثير من الاقتصاديين اليوم يرى في الاقتصاد الصيني قوة اقتصادية منافسة للاقتصاد الأمريكي، بل ذهب البعض أبعد من ذلك، في أن الصين ستكون أعلى قائمة أقوى اقتصاديات العالم خلال السنوات القادمة، في حين أن الواقع السياسي والاقتصادي للصين أكبر دليل على صعوبة أن تتبؤ الصين هذه المنزلة قريبا، فهي حتى عاجزة أن تفك ارتباط عملتها بالدولار، وقد كتبت من قبل مقالا عن الصين بعنوان ” هل سيصبح اليوان الصيني عملة احتياطية منافسة للدولار” بالإمكان الرجوع إليه في هذا الرابط http://www.maaal.com/archives/66277 ، ذكرت من خلاله أهم الأسباب التي ساعدت في ظهور الاقتصاد الصيني، وأدت لتحقيقه معدلات نمو جيدة، فقبل 15 سنة تقريبا أي في عام 2000 كان الناتج المحلي الإجمالي للصين ما يقارب ترليون و250 مليار دولار، واستمر الناتج في النمو حتى بلغ في 2015 ما يقارب 10 ترليون و 354 مليار دولار ، ولكن السؤال ما مصدر هذا النمو الكبير الذي حققه الاقتصاد الصيني.
تعتبر الصادرات العامل الأول فيما حققه الاقتصاد الصيني من نمو طيلة السنوات الماضية، فكما هو موضح في الرسم البياني أدناه والذي يمثل كلا من قيمة الصادرات الصينية والناتج المحلي الإجمالي للصين بالأسعار الثابتة، ونسبة الصادرات والخدمات الصينية من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي إذ يبدو جليا الأثر الكبير للصادرات الصينية، على نمو الاقتصاد الصيني.
ورغم ذلك فقد بدأ واضحا تأثر الاقتصاد الصيني بالعقوبات المفروضة على جارتها روسيا، فانخفاض الروبل مقابل الدولار والذي زاد من حدة التضخم في الاقتصاد الروسي أثر سلبا على واردات روسيا من الصين، كما أن هيكل الاقتصاد الصيني يمثل نقطة ضعف للصين يسهل استغلاله من قبل العالم الغربي، ولا أدل على ذلك من الضغوط التي تمارسها أمريكا على الصين، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.
بعض خبراء النفط والمحللين الاقتصاديين ينظر للصين نظرة إيجابية في تعافي أسعار النفط، والداعم للنمو العالمي مستقبلا، وهنا يحق لنا أن توجه بالسؤال إلى أولئك، هل الصين بهيكلها الاقتصادي الحالي تمثل مصدر استقرار للأسواق العالمية، بعبارة أخرى، ماذا لو كانت الصين هدفا لزعزعة اقتصادها، هل تستطيع الصمود، أم تكون بؤرة الأزمة العالمية القادمة.
حبتر
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال