الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تناقلت وسائل الإعلام مطلع هذا الأسبوع عودة قضايا تشغيل الأموال لاصطياد الذين يسعون للربح السريع والوصول إلى الثروة بطرق مختصرة. وتتمثل القصة في أن البعض يقومون بتسليم أموالهم لمن يدعي أنه يوظفها لهم دون أن يعرفوا عنه شيئا يذكر معتمدين في ذلك على مبدأ الثقة ومدى نجاح المستثمر في جني الأرباح. وعندما يرى المستثمر الوهمي الأموال تودع في حسابه فإنه يقوم بإيداع مبالغ دورية في الحساب البنكي للمواطن أو المقيم، ثم يزيد المبلغ بعد عدة أسابيع بحجة أن هذه أرباح حتى يوهم الضحية بأن هناك نشاطا تجاريا حقيقيا وأن هذه الأموال هي نتائج الأعمال، بينما هي في الأصل مبالغ من إيداعات الضحايا تعود إليهم على شكل دفعات. ويستمر الوضع على هذا الحال، يستقبل الضحية أموالا من رأس ماله الذي سبق له أن أودعه في حساب المستثمر الوهمي، وفي ساعة محددة يغلق على بقية الأموال. وبما أن تسليم الأموال لم يتم بأوراق رسمية فالأرباح كذلك لا تسلم بمستندات، فالعمل من بدايته إلى نهايته عشوائي وغير قانوني، لذا فغالبا ما تنتهي أحلام الثراء في المحاكم وتصبح من ضمن القضايا المعقدة التي تستمر سنوات دون جدوى، وأغلب المتضررين هم من متوسطي الدخل وكثير منهم نساء.
وحول هذا الموضوع نريد أن يكون نقاشنا لهذا الأسبوع. نريد أن نبين أصول اللعبة وقوانين تحقيق الثروة حتى لا نكون لقمة سائغة لمن يريد أن يستغلنا ويستثمر مدخراتنا وسذاجة بعضنا. يجب أن نعلم أن المال والثراء لا يأتيان إلى الفرد بين يوم وليلة فأول قانون لتحقيق الثراء هو الوقت. فشهور معدودة وسنوات قليلة غير كافية لتكوين ثروة بل يحتاج الأمر إلى وقت طويل قد يصل إلى عشر سنوات في المتوسط وهذا القانون نجهله نحن ويعرفه أصحاب الثروات. بطبيعة الحال هناك من تتنزل عليه ثروة إما بإرث وصل إليه، أو صفقة غير مخطط لها، أو جائزة قيمة فاز بها، فهذه كلها استثناءات لا يمكن تعميمهما أو قبولها ولا يمكن أن نقول إن المرأة أو الرجل الذي وصل إلى الثراء بهذه الطريقة وبتلك السرعة إنه سعى إليه وطبق قوانين تحقيق الثروة بل أتت الثروة إليه تدق بابه، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء ولا يدخل في قوانين جمع المال وتنميته.
والذي يدل على ذلك أن الذين يصلون إلى الثراء السريع أو تأتيهم الثروة بين عشية وضحاها يواجهون صعوبات في المحافظة عليها. فهناك نسبة كبيرة من الذين وصلوا إلى الثراء سريعا لم يستطيعوا المحافظة على ثرواتهم لقلة خبرتهم في التعامل مع المال، ولعدم فهمهم قوانين جلب واستثمار المال والمحافظة عليه. يقول كثير ممن لهم خبرة وباع طويل ووصلوا إلى الثراء بجهدهم ـــ بعد توفيق الله ــــ إن المحافظة على الأموال أصعب بكثير من استثمارها.
والوقت وحده لا يكفي لتحقيق الثروة بل يحتاج الأمر إلى عزيمة ورغبة جامحة في أن يكون الإنسان ثريا، يرافق كل ذلك عمل جاد وجهد كبير. يجب أن يدرك الذين يودعون أموالهم في حسابات مجهولة من أجل الكسب السريع أن الوصول إلى تكوين الثروات ليس عملا هينا وليس طريقا ممهدا بل مشوار طويل ووعر يحتاج إلى صبر وتحمل وقبول الخسارة تلو الخسارة واستيعاب الدرس بعد الدرس وتعلم وفهم طريقة جمع المال واستثماره. يقول هارف إيكر صاحب كتاب أسرار عقل المليونير عندما أتي إليه من يطلب نصيحته في أن يكون ثريا فقال له “هل أنت مستعد للعمل 16 ساعة يوميا؟ إن الأغنياء يفعلون ذلك، هل أنت مستعد للعمل سبعة أيام في الأسبوع مع التخلي عن إجازات نهاية الأسبوع؟ إن الأغنياء يفعلون ذلك، هل أنت مستعد للتضحية برؤية عائلتك وأصدقائك والتخلي عن هواياتك وعاداتك؟ إن الأغنياء يفعلون ذلك”. الرغبة في أن تكون ثريا لا تكفي لأن الرغبات هي في الأصل أمنيات والأمنيات لا تحقق الأهداف. فالرجل الذي يتمنى فقط أن يكون غنيا دون جهد يبذله لن يتحقق له مبتغاه لأنه لا يملك مقومات تحقيق الثروة، بينما الرجل الذي يسعى بجد وقناعة ستظهر له قوانين تحقيق الثروة وهو في طريقه إليها. فمن يريد أن يصبح من أرباب الأموال فعليه أن يبدأ صغيرا بمبالغ صغيرة ثم يزيد استثماراته بمبالغ أكبر حتى يكون أكثر كفاءة وثقة ويعرف دهاليز جمع المال وتكوين ثروة. فالمال يأتي بالعلم والمعرفة والوقت والعمل.
كما ينبغي قبل استثمار الأموال أن يعرف الفرد المخاطر المحيطة باستثماراته ومدى خطورتها وهل يمكن التغلب عليها؟ يقول كلاسون “حافظ على مالك من الضياع عن طريق استثماره عندما تضمن الأمان لرأس مالك وعندما يمكنك استرداده إذا رغبت في ذلك وعندما يمكنك أن تحصل على أرباح جيدة”، وأضاف أيضا “ولكي تحقق ذلك عليك أن تتشاور مع الرجال الحكماء، والتمس النصيحة من الأشخاص المتمرسين في التعامل المربح مع المال ودع حكمتهم تضمن مالك من الاستثمار المحفوف بالمخاطر”.
نريد أن نخلص من كل هذا فنقول إن الإنسان إذا أراد أن يحقق ثروة فمن الحماقة أن يعهد بماله إلى من يديره له كما يفعل بعض الناس هذه الأيام بأن يودع ماله في حساب مجهول في بداية الشهر ثم ينام قرير العين ينتظر الربح في نهاية الشهر، فهذا ليس استثمارا ولا يمكن أن يوصل إلى الثراء. ولكن ليس معنى ذلك ألا تعهد بمالك إلى مستثمر كي يقوم باستثماره نيابة عنك، ولكن يجب أن تكون لديك القدرة على اختبار موظفي الأموال وقياس مصداقيتهم وضمان عودة الأموال بأرباحها إليك. ليس من الحكمة أن تعهد بمالك إلى من يدعي أنه يوظف الأموال دون أن تأخذ عليه مواثيق وعهودا وتعرف بالضبط النشاط الذي يمارسه وتتأكد أن مشروعه الذي يستثمر فيه ثبتت جدواه، وأن رأس مالك وأرباحك أيضا في مأمن ويجب توثيق ذلك بمستندات وعقود وشهود.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال