الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
برنامج التحول الذي انتشرت كثير من الصور التي تروج له في مواقع التواصل الاجتماعي قبل الإشارة اليه رسمياً من قِبل بعض المسؤلين من خلال استعراض موازنة الدولة الأخيرة ، وصاحب الحديث عنه الكثير من الضجة التي كانت في معظمها تبالغ في الإعجاب بالشكل والمظاهر والبعد عن البروتوكول، ذلك البرنامج الذي لم نعرف ما هو حتى الآن ، إلا من خلال تسريبات هنا وهناك ! جاء إعلان موازنة الدولة وفق ما كان متوقعاً ، حيث كان العجز عنوانها الرئيسي نتيجة للأوضاع الاقتصادية وانخفاض أسعار البترول ، توالت بعدها في تلك الليلة حزمة من القرارات لم تكن متوقعة ، رفعت أسعار الوقود والمياه والغاز بشكل غير مسبوق ، صاحبها جملة من القرارات التي تمت ولم تعلن نتج عنها إيقاف الكثير من البدلات لموظفي الدولة . إشكالية التواصل في رأيي ؛ تمثلت في رفع سقف التوقعات للبرنامج ، وأن ما سيحدثه البرنامج سيكون نقلة نوعية لرفاهية المواطن وتغييرات ستصب في مصلحة المواطنين !!! ليلة الموازنة التي كانت في السنوات الماضية إحتفالية ، أختتمت تلك الليلة بطوابير عند محطات الوقود في تعبير بائس يصور حال المواطن المغلوب على أمره والذي كان ينتظر القرارات التي ستحقق رفاهيته وازدهاره ، فإذا بها تتحول من جيب المواطن إلى إيرادات الدولة ، وتنويع لمصادر الدخل على حساب المواطنين !! برنامج التحول والذي تديره وزارة التخطيط ويتحدث عنه كثيرون من قيادي مؤسسات الدولة ، يركز حسب ما قيل على آليات اقرار المشاريع ومعايير تنفيذ الآداء ، وهو توجه محمود ، ولكن هل سيتحقق هذا والبوصلة الرئيسية لا زالت معطوبة !! البوصلة التي توجه إستراتيجية الحكومة الإقتصادية ، والتي تركز على تعريف من نحن ؟ وماذا نريد ؟ وكيف نحقق ذلك ؟ إن تنويع مصادر الدخل هدف لا يختلف عليه إثنان ، وينبغي العمل الجاد لتحقيقه ، ولكن ليس من العدل أن يتم ذلك على حساب المواطنين ؟ إن أسهل طريقة لتنويع مصادر الدخل وأزعم بإمكانية تطبيقها بدون برنامج التحول ؛ هي أن يتم إرهاق كاهل المواطنين والقطاع الخاص على حساب تعظيم إيرادات الدولة غير النفطية وذلك عن طريق فرض الضرائب على المواطنين ، وتخفيف الدعم المباشر وغير المباشر على الخدمات العامة ، ثم فرض الرسوم على الأعمال ، والرسوم على العمالة ، وزيادة تكلفة الخدمات الحكومية ، وبالتأكيد ستزيد الإيرادات الأخرى وسينعكس ذلك على تعظيم الإيرادات غير النفطية!! ولكن هل هذا هو التنوع الذي ينادي به العقلاء ، أو يطمح له المصلحون ؟ عندما ينادي منادي بتنويع مصادر الدخل ، فإنه يتوقع أن ايرادات الدولة من استثماراتها النوعية ستتحسن ، وعوائد الدولة من صادراتها غير النفطية ستزيد ، وأن مداخيل الدولة الناتجة عن فعالية التنمية الصناعية والتبادل التجاري سترتفع ، وأن إستقطاب الإستثمارات الخارجية ومشاركتها في التنمية والضرائب عليها ستتحقق ، وأن ذكاء وفعالية الأذرعة الإستثمارية للحكومة داخل وخارج المملكة ستتجاوز التوقعات منها ، وأن التفعيل للقطاعات المعطلة ستتحرك عجلته وخاصة التعدين والموارد الطبيعية ، وأن المزايا النسبية للمملكة سيتم إستثمارها وخاصة السياحة الدينية ، والموقع الجغرافي المتميز . بعد ذلك كله لست متفائلاً !! فقد تم تأسيس هيئة توليد الوظائف وهيئة المنشآت الصغيرة ، وهي بالفعل أفكاراً خلّاقة ومبادرات هامة في سبيل القضاء على البطالة وتخفيف حدتها ، ولكنني وبدون مجاملة فقدت الثقة في جدية وفعالية بعض القرارات عندما تزامنت تلك المبادرات مع إتخاذ قرارات غير مبررة بإيقاف الصرف لمستحقات القطاع الخاص الواجبة السداد على الدولة وبدون سابق إنذار ، حيث أن الخزينة عامرة والإحتياطات متوفرة ، والمقرضين جاهزين ، ذلك القرار في نظري هدم سنوات من البناء لجميع القطاعات المتعاملة مع الحكومة ، ومن يتعامل معها ، ومن يمولها ، ومن يعمل فيها . ألم يكن من الأجدى أن تكون الحكومة هي القدوة الحسنة في التطبيق والتعامل وتنفيذ العقود والإلتزام بها !! قرار عدم السداد أو تأجيله أصاب سمعة وزارة التخطيط في مقتل ليس فقط على مستوى التعاقدات داخل المملكة بل وحتى مع الموردين خارجها ، أياً كانت المبررات لذلك القرار فهي غير منطقية !! إن مثل هذا التضارب في القرارات لا يجعلني أثق بنتائج الكلام النظري المرسل لما يقال وما يتسرب حول برنامج التحول ، والدراسات التي تتم وقد يصدر بناء عليها قرارات تهدم ولا تبني ، بل أجزم بإن نتائج وردود الفعل لما تم حتى الآن ستكون سلبيه ومؤثرة على المدى الطويل ليس في حياة الواطنين ورفاهية المجتمع أو القطاعات المتضررة فقط ، بل وحتى في درجة الثقة بالتعامل مع الحكومة ، والإلتزام بوعودها ، بل وحتى الثقة في سياساتها الإدارية والإقتصادية على المدى الطويل . ختاماً .. الله يستر مما هو قادم !! القاسم
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال