الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثيرا ما نسمع ونقرأ في وسائل الإعلام الاهتمام الكبير التي توليه أسواق النفط للاحتياطي البترولي الاستراتيجي (SPR: Strategic Petroleum Reserve) للولايات المتحدة الأمريكية، ولا ريب أن ذلك نابع من كونها أكبر دولة مستهلكة للنفط، إذ يبغ استهلاكها ما يقارب 19 مليون برميل يوميا، إلا أن ذلك لا يكفي لعرفة السبب وراء حالة القلق الذي يحدثه حجم ذلك المخزون على أسعار النفط خصوصا إذا كان المخزون أعلى من توقعات السوق.
في هذا المقال بإذن الله سأحاول الإجابة عن السبب الرئيسي خلف هذا الاهتمام الكبير بهذا المخزون الاستراتيجي، ومدى تأثيره على أسعار النفط، وهل ذلك المخزون يمثل تهديدا كبير لأسواق النفط، وسببا لفشل أي اتفاق بين المنتجين يهدف لرفع الأسعار، مما قد يوجد يأسا يؤدي لاستمرار الخلاف نحو خفض الإنتاج، ويستعصي معه أيجاد حل توافقي يحقق مصالح الدول المنتجة، وما الحل في حالة تم استغلال ذلك للتأثير على أسعار النفط بصورة سلبية والتأثير على المنتجين والإضرار بهم.
بداية سنوجز بعض المعلومات المهمة عن هذا المحزون
الاحتياطي البترولي الاستراتيجي يعتبر مخزن لكميات ضخمة من النفط يستخدم في حالات الطوارئ تحت إشراف إدارة الطاقة الأمريكية، ويتم تخزين النفط في أربع مواقع على خليج المكسيك، في ولايتي تكساس ولويزيانا، وجميعها تقع بالقرب من المركز الرئيسي للتكرير، ويحتوي كل موقع على عدد من الكهوف الصناعية أنشئت بقباب ملحية تحت سطح الأرض’ ويعتبر أكبر مخزون نفطي للطوارئ في العالم، بسعة تقدر ب 720 مليون برميل، ويكفي هذا المخزون لتلبية حاجة البلاد لفترة تمتد من 36 – 90 يوما، ويقول بعض الخبراء أن مصافي التكرير تحتاج إلى أكثر من 100 يوم لتفريغ هذا الاحتياطي الهائل وضخه في البلاد ، وقد قامت الولايات المتحدة بإنشاء هذا الاحتياطي في عهد الرئيس الأمريكي جيرال فورد في عام 1975، للتخفيف من الأضرار الناجمة عن نقص الإمدادات أو ارتفاع الأسعار، وقد كان السبب الرئيسي لإنشاء هذا المخزون كرد فعل على انقطاع إمدادات النفط نتيجة للحظر التي قامت به الدول العربية والمتمثلة في منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (OAPEC: Organization of Arab Petroleum Exporting Countries) عام 1973-1974 تضامنا مع الدول العربية في حربها مع إسرائيل، وردا على التدخل الأمريكي ودعمه العسكري لإسرائيل، وأدى ذلك الحظر لارتفاع أسعار النفط من 3 دولار إلى 12 دولار للبرميل، وسميت تلك الأزمة بالصدمة النفطية الأولى (first oil shock) والتي تسببت في مشاكل اقتصادية كبرى على المستوى العالمي، والأمريكي خصوصا.
وهذا الاحتياطي الضخم من الأهمية ما يجعل أسواق النفط تترقب البيانات الصادرة عن إد ارة الطاقة الأمريكية، نتيجة للتأثير الذي يحدثه على أسعار النفط، فمع ارتفاع حجم الاحتياطي تبدأ أسعار بالانخفاض، ويحدث العكس في حالة انخفاض هذا المخزون، وهذا يعكس حالة قلق استثنائية في الأسواق ليست كما يتوقعها البعض من احتمال انخفاض الطلب الأمريكي، بل الأمر أبعد من ذلك، إذا قد تلجأ الولايات المتحدة لهذا الاحتياطي الاستراتيجي في زيادة المعروض النفطي للتأثير على أسواق النفط مما يؤدي لانخفاض الأسعار بصورة كبيرة، ويُعد ذلك السبب الرئيسي وراء القلق المتزايد حيال ارتفاع هذا المخزون، فكما هو موضح في الرسوم البيانية أدناه والتي تبين تأثير اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي والإفراج عن جزء منه في التأثير على أسعار النفط.
*في يناير عام 1991 أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بالسحب من الاحتياطي بعد بدء الحرب على العراق وذلك للحد من تقلبات السوق النفطية.
*في سبتمبر عام 2000 أمر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بالإفراج عن 30 مليون برميل من الاحتياطي لزيادة إمدادات وقود التدفئة للمنازل وتخفيض أسعار البنزين التي ارتفعت لأكثر من 2 دولار للبرميل في بعض المناطق.
*في نوفمبر 2001 أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن بملء الاحتياطي لسعتها القصوى والبالغة 700 مليون برميل، وهذا القرار أدى لارتفاع أسعار النفط.
*في سبتمبر 2005 أعلن وزير الطاقة الأمريكي أن 7.5 مليون برميل من النفط الاحتياطي سيتم إعارتها لشركتي اكسون موبيل فاليرو للطاقة نتيجة للدمار الذي ألحقه إعصار كاترينا.
*في ابريل2006 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن التعليق المؤقت لتخزين الاحتياطي الاستراتيجي وتحرير المزيد من النفط لتلبية حاجات المستهلكين، ولتخفيف أسعار الوقود.
*في مايو 2008 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن عن تعليق شحنات النفط إلى الاحتياطي 6 أشهر على أمل خفض أسعار الوقود.
*في سبتمبر 2008 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن عن الإفراج عن الاحتياطي الاستراتيجي لمساعدة ولاية لويزيانا نتيجة لإعصار كوستاف.
*في يونيو 2011 أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية عن الإفراج عن 30 مليون برميل من الاحتياطي للتخفيف من تعطل الإمدادات الليبية.
*في أغسطس 2012 أعلنت وزرة الطاقة عن إعارة مليون برميل من الاحتياطي لشركة ماراثون للبترول لمعالجة الآثار الناجمة عن إعصار إسحاق.
*في نوفمبر 2015 أعطى الكونغرس صلاحية ببيع 58 مليون برميل من الاحتياطي على مدى 8 سنوات بدء من 2018 لتخفيض العجز، إضافة لبيع 40-50 مليون برميل ما بين 2017 و2020 لأغراض التجديد والتحديث.
يتضح من الرسوم البيانة مدى التأثير الذي يحدثه قرار اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من النفط على الأسعار، وآخر إحصائية صادرة من إدارة الطاقة الأمريكية تفيد بأن الاحتياطي بلغ ما يقارب 695 مليون برميل، وهذا الحجم الهائل من المخزون يجعل الوضع يزداد تعقيدا على الدول المنتجة في حالة قررت الولايات المتحدة استخدام هذا المخزون لكبح جماح الأسعار فيما لو تجاوزت السعر المقبول الذي يضمن نمو الاقتصاد الأمريكي.
ورغم انتعاش أسعار النفط بعد اجتماع الدوحة الذي حضرته السعودية وروسيا، وخرجا باتفاق يقضي بتجميد الإنتاج، ومدى صدق نوايا المنتجين في تطبيق هذا الاتفاق، وما يتردد بين وسائل الإعلام من احتمال عقد اجتماع آخر للدول المنتجة للنفط، ستبقى تلك الاجتماعات والعلم عند الله محدودة التأثير وعديمة الجدوى فيما لو قررت الولايات المتحدة استخدام ذلك المخزون كسلاح لوقف ارتفاع الأسعار، ويبقى الحل الأكثر إلحاحا أن يكون ذلك المخزون أول ما تتم مناقشته على الطاولة والاتفاق على تقليص الإنتاج فيما لو تم استغلال ذلك المخزون للإضرار بالمنتجين، أو أن تبقى سوق النفط خاضعة للنتائج المتوقعة فيما لو قرر المخزون أن يغادر مخازنه لينضم لذلك المعروض من النفط، كابحا لجماح الأسعار ومسببا في انخفاضها، ليعيد بناء نفسه بأسعار متدنية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال