3666 144 055
[email protected]
محلل مالي في شركة استشارات مالية عالمية
كرة القدم .. عند الحديث عن كرة القدم في السعودية البلد الذي يمثل الشباب (الأقل من عمر 40 عام) فيه حوالي 70% من إجمالي السكان, فإننا نتحدث عن قضية شعبية تلامس إهتمامات الأغلبية العظمى.
كرة القدم السعودية مرة بتحولات عديدة ومثيرة خلال السنوات الخمسين الماضية واستطاعت أن تحصل على اهتمام شعبي واسع خوّلها لتصبح المحور الأهم والأبرز في حديث أغلب المحادثات والاجتماعات اليومية.
ريبيكوم (شركة عالمية رائدة في تحليل وسائل الإعلام الرياضي وأبحاث السوق المتعلقة بالرياضة) أبرزت في تقريرها العالمي للدول المهتمة بكرة القدم عام 2014م, أن السعودية حلّت في المركز الرابع عالمياً وبنسبة اهتمام شعبي بلغت 74% (أي أن كل 10 مواطنين منهم 7 مواطنين مهتمين بكرة القدم).
لذلك فإنه من الإنصاف أن يتم دراسة وتناول كرة القدم السعودية عند الحديث عن الاقتصاد السعودي. ولكن من المفاجىء أن الواقع يشير لغياب تام وعزل لهذه الرياضة عند تناول وتحليل الاقتصاد السعودي! فلا حديث عن نسبة الإنفاق ولا الإيراد الرياضي ولا إحصاءات دقيقة حول طبيعة المستهلكين الرياضيين ولا إشارة للهدر المالي الرياضي وغياب الأنظمة الحامية للعلامة الرياضية والعديد من الشؤون ذات الصلة. لذا فمن الواجب البدء في إدراج كرة القدم في مناقشات الاقتصاد السعودي وتحليل تأثيراتها وأرقامها فالأكيد أنها مؤثرة !
وعند تناول كرة القدم في الاقتصاد السعودي, يبرز موضوع “خصخصة الأندية” كأبرز محور ساخن في تأثيره على الاقتصاد. فالوضع الحالي لأندية كرة القدم هو أشبه بالأندية (التطوعية) التي تعتمد بالأساس على “تبرعات” المشجعين (أعضاء الشرف وخلافهم), وهي عملية غير “إحترافية” و لا “مستدامة” وتتأثر بشكل قوي بالظروف الاقتصادية للمشجعين.
بلا شك فإن بقاء نموذج العمل الحالي للأندية الرياضية هو بمثابة “هدر مالي” لممتلكات “أفراد” وعملية إنفاق غير “مستدامة” لا تفيد ولا تسمن من جوع. فبحسب نظام «TMS» الخاص بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بلغ مجمع عقود اللاعبين في السعودية الذين وقعوا عقوداً خلال العام 2015م حولي 600 مليون ريال -صحيفة الشرق الأوسط-. هذا الإنفاق على عقود اللاعبين يمثل إنفاق أندية الدوري الممتاز خلال عام واحد فقط, في مقابله صرفت الشركات الراعية (معظمها شركات إتصالات) في خمس سنوات ماضية أكثر من مليار ريال!
“خصخصة الأندية” موضوع شائك وخصب للحديث, فبين مؤيد يتسلح بأرقام وإحصاءات نسبة الشباب والأهتمام الرياضي الكبير والأفكار الاستثمارية الغير مستغلة ووو الخ , وبين معارض يؤكد أن غياب الشركات الكبرى عن الإستثمار الرياضي وعدم إنفاقها ريالاً واحداً وعدم محاولتها التفكير بدخول المجال رغم المناشدات والمطالبات الشعبية هو دليل فشل الخصخصة والإستثمار في أندية كرة القدم في الوقت الراهن.
المؤكد أن “خصخصة الأندية” بلا وجود بنية تحتية “تشريعية” لأندية كرة القدم ونظام حماية “صارم” للعلامة التجارية هي عملية فاشلة وهشّة وغير قابلة للإستدامة. فغياب الشركات الكبرى عن الدخول في كرة القدم رغم الأرقام المغرية للمشاهدين والمشجعين هو سؤالٌ واضح الجواب!
فقبل طرح مشروع “خصخصة الأندية” للواقع يجب أن يتم إستحداث نظام تشريعي لأندية كرة القدم وتحديد واجباتها وحقوقها مع مختلف الجهات والأفراد وتطبيق نظام العلامات التجارية وتكاتف الوزارات والمؤسسات والهيئات المعنية لتطبيق الانظمة بجِد وذلك لطرح نموذج عمل تجاري قابل “للإستدامة”.
فالنظام التشريعي يجب أن يحتوي تعريف حدود وحقوق أندية كرة القدم وتسجيلها ككيانات تجارية مستقلة بعقود موثقة وتحديد هيكلها القانوني ومرجعيتها النظامية وتأسيس محكمة رياضية – تجارية للمخاصمات المشتركة وغيرها من النواحي التشريعية المهمة لضمان صلابة البنية التحتية للمشروع, بوجود تلك البنية فإن النجاح واعد ومضمون –إن شاء الله- حسب معطيات الوضع الراهن من النسبة العالية للشباب وإهتمامهم الكبير بكرة القدم.
بعد تأسيس البنية التحتية التشريعية وتهيئة المناخ لطرح مشروع “خصخصة الأندية” تبدأ عملية سهلة وذلك بالتفكير بالمبادرات والاستفادة من تجارب الدول المتميزة في إستثمار أندية كرة القدم, فعلى سبيل المثال في الأفكار لا الحصر:
– استغلال المنشأت الرياضية للنادي وفتحها للزوار والمشجعين وتنظيم جولات تعريفية برسوم.
– إستغلال المؤتمرات الصحفية الاسبوعية ومؤتمرات تقديم اللاعبين الجدد والإعلان عن الأخبار الرسمية إعلامياً وتنظيم نقل حصري ومساحات للدعايات والإعلان.
– تنظيم زيارات دورية للمدارس والجامعات لتسويق النادي ولاعبيه ومنتجاته.
– الحضور والتفاعل والزيارات لمناطق المملكة الأخرى, في المملكة 13 منطقة إدارية!.
– إستغلال وسائل التواصل الإجتماعي وحضور السعوديين الكبير فيها.
مثال هذه الافكار البسيطة وغيرها الكثير من آلاف المبادرات الداعمة لعملية تحويل الأندية لمؤسسات تجارية لا تحتاج لإستثمار وإنفاق كبير بقدر ما تحتاج لعملية توظيف وإستغلال للموجودات الحالية.
في الختام فقد أصبحت عملية الحديث عن أهمية تخصيص أندية كرة القدم السعودية وتدعيمها بأرقام ونِسب عملية مملة ومستهلكة, فلا خلاف ولا نقاش في أهمية عملية التخصيص , الجميع متفق على أنها من أولويات التحول الوطني نحو المملكة العربية السعودية 2020م.
حيث أن تخصيص أندية كرة القدم يحقق الوفر المالي والكفاءة المالية سواء للأفراد المشجعين (أعضاء الشرف وخلافهم) وللرئاسة العامة لرعاية الشباب وإتحادها وهذه الكفاءة المالية تعزز وتوسع قاعدة الإقتصاد الوطني وتضيف له محوراً هاماً في قطاع الخدمات من شأنه أن يخلق آلاف الفرص الوظيفية ويفتح مئات المجالات الجديدة ويدعم عشرات المشاريع القائمة (إعلامية ولوجستية وخدمية). ولكن يضل السؤال الأهم : متى يرى المشروع النور؟!
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734