الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أحد المفاهيم الاقتصادية المتفق عليها في المملكة اليوم تقليديا فكرة التنويع الاقتصادي. التنويع الاقتصادي يعني شيئا واحدا: تقليل الاعتماد على الصناعة النفطية وإيجاد مصادر بديلة عن هذا المصدر الأساس والناضب. لا أعرف خطيئة اقتصادية مقبولة لدى الغالبية الرسمية وغير الرسمية أكبر من هذه. الخطيئة تأتي في كونها محاولة قتل مصدر دخل البلد المؤكد والثابت على الرغم من تقلباته في المدى المنظور. كما أنها خطيئة من ناحية عملية ـــ سلوكية ـــ فالبحث في المكان الخطأ يؤدي حتما إلى منظومة مستندة ومنخرطة في حلول شكلية وحبلى بالعلاقات العامة والاستشارات التي لا تنتهي لسبب واحد: المرجعية الاقتصادية ضعيفة ولذلك لم يأت البديل لأسباب منطقية.
المرجعية الاقتصادية تقوم على استغلال ما لديك من ثروة طبيعية وخاصة لما تكون ليست “الطاقة” فقط ولكن سلسلة الصناعة الهيدروكربونية. البوصلة الاقتصادية للاقتصاد ككل في الجوهر ليست مسألة خيار في المدى القصير أو المتوسط. الرهان على المدى البعيد خيار أكاديمي و فلسفي في أحسن الأحوال وعمليا ليس لدينا القدرة على معرفة الميزات النسبية المستقبلية، ولكن أيضا هذه الميزات لن تتطور دون تعمق حقيقي “وضوح سلسلة القيمة المضافة وفعالية التوجهات والأداء” في استغلال النفط والغاز والمعادن وما لدينا من قدرات بشرية في هذا الشأن. يقول كينز حول المفاضلة الاقتصادية الزمنية إنه في المدى البعيد كلنا سنموت. إثبات القدرة والفعالية والتنافسية بما لدينا هو البوصلة الاقتصادية الحقيقية وليس من خلال خطط واستراتيجيات وخاصة لما ترسم من استشاريين ليس لهم علاقة بالحالة المجتمعية بمعناها الشامل. اخترنا منظومة اقتصادية توزيعية لأسباب تاريخية “بعضها موضوعي وبعضها صدفة” وهذه بطبيعتها في خصام مع الإنتاجية والكفاءة. ولكن أيضا المطالبة بالانتقال من منظومة قوامها التوزيع إلى منظومة إنتاجية من خلال ندوات وعصف ذهني أقرب إلى الأكاديميات منها إلى برامج اقتصادية يمكن الدفاع عنها.
التحدي الاقتصادي أن تكون بلادنا الأكثر معرفة في سلسلة الصناعة النفطية والتعدينية من الاستكشاف إلى جزيئات الصناعات التحويلية أفقيا ورأسيا. المعرفة في صناعات بهذا التنوع والحجم والتعقيد ستعدنا لأي تحد اقتصادي مستقبلي، بل إنها تتضمن درجة عالية من التنويع وتصدير المعرفة والمحتوى. الخوف من نضوب النفط غير مبرر جيولوجي واقتصادي في المدى المنظور. التحول من صناعة إلى أخرى أسهل بكثير من التحول من العالم الثالث إلى العالم الثاني ناهيك عن العالم الأول. معايير وقياس الصناعة الهايدروكربونية معروفة ولذلك هناك بوصلة ومساحات كافية للعمل لعقود من الزمان. بعد نحو ثلاثة أجيال على الصناعة النفطية وجيلين من تركيز التخطيط على تنويع القاعدة الاقتصادية، يتضح أن هناك خطيئة فكرية ومنهجية. بل إن النجاح الاقتصادي الذي تحقق كان بسبب التعمق وليس التنوع في القاعدة الاقتصادية من خلال الصناعات البتروكيماوية. التنويع الوحيد الذي استثني هو الطاقة الشمسية وهذه أيضا مورد طبيعي وافر لدينا.
السياسة الاقتصادية الحصيفة هجومية من خلال السعي لتعظيم القيمة المضافة، ولكنها أيضا دفاعية من خلال الترشيد وبعض الصناعات الاستبدالية بغرض دعم الصناعات التي فيها ميزة نسبية اليوم وليس مستقبلا. الصناعة بطبعها تكاملية أفقيا ورأسيا، ولذلك فإن التعميق في الصناعة النفطية سيجر حتما إلى التفوق علميا وبحثيا وبالتالي هناك تبعات للتطور المجتمعي.
لا أعرف كيف تم إقناعنا بهذه الخطيئة الاقتصادية دون تمحيص أو وعي اقتصادي. استسلمنا لأفكار الآخرين. أعتقد أن الخطيئة الأكبر أن نستمر في سياق تنموي اقتصادي دون مراجعة فكرية على درجة من المصارحة والثقة بالنفس والمخاطرة. الحديث عن الخيارات الاقتصادية دون وعي بالمخاطر المرادفة أقرب إلى التنظير في الهواء. المخاطرة الظاهرة أن نحارب مواردنا قبل استغلالها للانتقال إلى مدار اقتصادي أعلى.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال