الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أحد الأصدقاء تعرض سائقه لحادث تصادم مع سيارة غير مؤمنة، وجاء “نجم” ووضع الحق على السائق غير المؤمن بنسبة 100 في المائة، لأنه انحرف يسارا من مسار تشير الأسهم الأرضية إلى أنه مخصص لمن يريد أن يسير إلى الأمام، إلا أن “نجم” ولعدم وجود تأمين لدى الطرف المخطئ طالبهم باستدعاء “المرور”، الذي جاء ووضع الحق على السائق المؤمِّن ليرتاح من ضرورة نقل السائق الآخر إلى الحجز لحين دفع تكاليف إصلاح السيارة المتضررة، بمعنى أن الطرف المؤمِّن عوقب لأن تحميله الخطأ يريح “المرور” من عناء العمل.
آخر يقول إن سيارته تعرضت لحادث وكان الطرف الآخر لديه تأمين، وعندما ذهب لتقييم إصلاح الحادث وقطع الغيار حصل على تقييم بنحو ستة آلاف ريال، وحصل عليه بعد مماطلة طويلة من شركة التأمين، وبعدها قام بإصلاح سيارته في ورشة أخرى وبتكاليف أقل بلغت 2000 ريال.
ثالث يقول إنه ذهب لمراجعة عيادة السكري في أحد المستشفيات المعروفة، وعند دخوله على الاستشاري كتب له الاستشاري تحاليل فحص شامل للجسم مثل السكر ووظائف الكبد والكلى والكوليسترول والدهون الثلاثية وأخرى تزيد تكاليفها على 2000 ريال، وواجه نتيجة ذلك رفضا ومماطلة من شركة التأمين للموافقة، ولم يستغرب ذلك، لأن الاستشاري بالغ، ولو أنه طلب التحليل الضروري للسكر واكتفى لكان أهون، ويؤكد المريض أنه غير مقتنع بمصداقية المستشفى، ويسمع كثيرا عن مثل هذه الحالات، حيث التهويل والمبالغة في الفحوص والأدوية بشكل يتجاوز الضرر بشركة التأمين إلى الضرر بالمريض ذاته، حيث يتعاطى كمّا كبيرا من الأدوية، لها آثار جانبية بصورة أو بأخرى.
عدم حماية أطراف سوق التأمين أو أي سوق أخرى من منتجين ومستهلكين ووسطاء يؤدي إلى ارتفاع تكاليف خدمات أو منتجات الأسواق، وبالتالي أسعارها، الأمر الذي يرفع من معدلات التضخم دون وجه حق على المستهلكين الملتزمين، وكذلك يؤثر سلبا في المنتجين الملتزمين أيضا لتختل عناصر السوق، وهذا ما حدث في سوق التأمين في المملكة، حيث على سبيل المثال رفعت شركات التأمين العاملة في السوق المحلية أسعار وثائق التأمين ضد الغير للمركبات الخصوصي ابتداء من 1/10/2015 إلى 1500 ريال للوثيقة الأساسية بزيادة وصلت إلى 400 في المائة منذ إطلاق خدمات تأمين المركبات التي بدأت بـ 360 ريالا، وجاء تبرير ارتفاع الأسعار من شركات التأمين لجهة التزامها بالدفع للمتضررين من الحوادث “قطع الإشارة، عكس السير… إلخ”، ووجود أكثر من أربعة آلاف حادث مرور، والمبالغة في مبالغ تقديرات الحوادث، ورفع قيمة الدية.
طبعا نتيجة عدم حماية المنتج من جور الوسطاء والمستهلكين تجعله يتحرك في أكثر من مسار لحماية نفسه من الخسارة، ومن ذلك المماطلة في الموافقات الطبية على سبيل المثال، حتى يشعر كثير من حملة بطاقات التأمين الصحي بالذل وهم ينتظرون الموافقات لإجراء الفحوص وهم يعانون آلام المرض ويضطرون إلى المراجعة أكثر من مرة، لأن الموافقة لم تصل في المرة الأولى.
من أساليب المماطلة والتحايل التي يتبعها المنتجون للسلع والخدمات وضع مكاتب محددة في أماكن بعيدة ومزدحمة، للتعويض عن القطع التالفة أو الأجهزة التي تتعطل أثناء فترة الضمان أو لسداد مستحقات التعويض، كي يضطر أصحاب الحقوق إلى التخلي عن حقوقهم لصعوبة الوصول إليها والحصول عليها، لانشغالاتهم أو بسبب المعاناة التي سيتكبدونها للوصول إلى تلك الأماكن، والأوقات الطويلة التي ينتظرونها لتسلم حقوقهم.
تتمحور مهام الجهات المنظمة للأسواق حول ثلاث مهام رئيسة وهي التنظيم، والتطوير، والحماية، والتنظيم يعني إصدار أو مراجعة اللوائح والقواعد والتعليمات اللازمة لتطبيق أحكام نظام السوق أيا كانت، بهدف توفير المناخ الملائم للاستثمار في هذه السوق وزيادة الثقة بها من قبل جميع عناصرها من منتجين ومستهلكين ووسطاء.
والتنظيم هو الشق الأول من الحماية، والشق الثاني من الحماية يتمثل في إيجاد هياكل وموارد بشرية وأنظمة إلكترونية وإجراءات سريعة وسهلة لتطبيق هذه الأنظمة لمصلحة جميع عناصر السوق دون تغليب مصلحة طرف على آخر، ودون أدنى شك كلما كانت الأنظمة شديدة والإجراءات سريعة والعقوبات رادعة تراجعت جميع الأطراف عن التغول على الأطراف الأخرى، وبالتالي خفّت التكاليف والمخاطر التي يتعرض لها المنتجون في الأسواق، ما يؤثر إيجابا في الأسعار والجودة وفي نوع العلاقة بين المنتجين والمستهلكين، لتكون في حالة من الوئام والتعاون بدلا من الخصام والتربص.
حماية المُنتِج أو المستثمر لا تقل أهمية عن حماية المستهلك، فكلاهما مهم، والمستهلكون الذين يكسرون أو يعصرون الأنظمة واللوائح خطرهم كبير على بقية المستهلكين الملتزمين لسببين، الأول: تحفيزهم لمزيد من المستهلكين على انتهاك الأنظمة واللوائح، والثاني: رفعهم التكاليف وبالتالي الأسعار، لذلك فإن حماية الأسواق من هذه النوعية من المستهلكين ومن يقف وراءهم من جهات ضبطية ورقابية وتقييمية غاية في الأهمية، للحد من التضخم.
أذكر أنني جلست مع أحد العقاريين المستثمرين في مجال تأجير المباني من فلل وشقق، وقال لي: قبل أن تصدر الأنظمة القوية التي تحمي الملاك من طغيان وتحايل المؤجرين كنا نعاني أشد المعاناة، حتى إننا قللنا استثماراتنا في مجال التأجير، ورفعنا الإيجارات على الملتزمين لتعويض الفاقد من المتلاعبين، لكن بعد صدور النظام الجديد الذي يحمي حقوقنا أصبحت السوق أكثر نظامية، ولم نعد بحاجة إلى رفع الإيجارات بسبب التخلف والتهرب من المتلاعبين.
ختاما أتطلع إلى أن تنهض وزارة التجارة – التي تقوم بالإشراف على الأسواق وحمايتها من الاستغلال والاحتكار وضبط الأسعار – بدورها على أكمل وجه في حماية الأسواق من المتلاعبين، منتجين أو مستهلكين أو وسطاء، لمواجهة التضخم الكبير في معظم أسواقنا مقارنة بأسواق الدول المجاورة، الذي يشير إلى عدم نجاحها كما ينبغي في حماية جميع أطراف الأسواق من التلاعب والتحايل.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال