الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مهندس نووي بجامعة الملك عبد العزيز
Nasser__B@
الأمية والتخلف وجهان لعملة واحدة وتعريف الأمية يختلف بحسب الزمان والمكان فقد تجد أنها في دولةٍ ما تُعرَّف على أنها عدم القدرة على القراءة أو الكتابة عند سن محدد وتجدها في بعض الدول المتقدمة تُعرَّف على أنها عدم القدرة على استخدام الأجهزة الإلكترونية ومنها الحاسب الآلي، يمكننا أن نقول إن الأمية تدل على قدر التخلف الموجود في تلك البلاد. ولها أنواع متعددة منها الأمية الهجائية، الأمية السياسية، والأمية الأيديولوجية. وفي هذا المقال سوف أتطرق للأمية المهنية.
الأمية المهنية تعبر عن كل شخص طبيعي يمارس مهنة ما دون معرفة كافية لها، وبمعنى أبسط الأمية المهنية هي جهل الموظف بالمهنة التي يشغلها. تختلف درجة الأمية حسب المعلومات المتواجدة لدى الشخص الممارس للمهنة من درجة الدجل المهني وتزوير مؤهلاته إلى درجة عدم مواكبته بالتقدم العلمي وآخر ما تُوصل اليه. ولا يمكن لمن درس الجغرافيا مثلا أن يعين على وظيفة الطبيب وفي المجال الطبي فالصيدلي لن يقوم بمهام الطبيب على أكمل وجه والطبيب المقيم لا يمكن أن يمارس مهام طبيب استشاري بنفس الكفاءة. وينطبق ذلك على الوظائف بمجالاتها التقنية والإدارية.
للمهنة شروط علينا أن نعرفها، أولها الإلمام بمعلومات من نوع معين ما ترتبط بتلك المهنة وثانيها أن يكون لها مقاييس مهنية وروحية. وجاء في الآية الكريمة ((إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين)) صدق الله العلي العظيم، كلمة القوي تدل على المقاييس المهنية وهي القوة في العمل وكلمة الأمين تدل على المقاييس الروحية وهي الأمانة في أداء العمل على الوجه المطلوب.
وأهم مسببات الأمية المهنية من وجهة نظري تأتي من تباين الأنظمة والتشريعات، التي وجدت بالأساس للتيسير والتنظيم ولكنها قد تخلق خلل بالبيئة المهنية يؤدي الى سخط وظيفي وتعطيل لمصالح الناس. التباين يكون في مركزية الصلاحيات الروتينية وافتقار أنظمة المؤسسات لسياسة “الشخص المناسب في المكان المناسب ” وغياب الوصف الوظيفي المتوافق مع طبيعة العمل والمؤهل مما ينتج عنه عدم مناسبة التأهيل والتدريب وخلط بالمفاهيم ومقاييس الأداء لكل من المرؤوس ورئيسه. وعدم توازن المرجعية ما بين المرجعية المهنية والمرجعية الإدارية مما ينتج عنه أزمات وكوارث ويفترض أن تترك القرارات المهنية بيد جهة مرجعية مستقلة قد تكون نقابة أو هيئة متخصصة. وأود هنا أن أورد مثال لتتضح أهمية المرجعية المهنية أن مدير المستشفى ليس له حق بأن يتدخل بقرارات الطبيب سواء كانت عملية جراحية أو علاج معين ولكن الطبيب المعالج يستعين بمن هو أكفى منه بهذا المجال.
وحل هذا التباين يبدأ من تحول الأنظمة والتشريعات من التجديف الى التوجيه وذلك بإزالة البيروقراطية لتحل الريادية محلها والاستثمار الجاد في تطوير القوى العاملة وتنظيم المرجعية وتطوير آليات قياس للأداء والمخرجات الصحيحة وتطبيق المعايير المحلية والعالمية فعلياٌ واعتبارها حسب تعريفها الأساسي بأنها أفضل الممارسات العملية وليس باعتبارها أداة تسويق وشهادة افتخار وأخيراً رفع مستوى الثقافة المهنية، التي هي مجموع الأفكار والقيم والقواعد التي يتمثل لها المجتمع المهني ويُسير من خلالها العمل الوظيفي.
وما أوردته في هذا المقال ليس ألا محاولة لطرح فكرة ظننت بأن لها أثر بالغ على تعثر التنمية الوطنية. ولإيماني بأن كل وظيفة هي لبنة في بناء الوطن مهما خفى أثرها المباشر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال