3666 144 055
[email protected]
محلل مالي واقتصادي
Economy_Affairs@
نشرت قبل أيام صحيفة (The Economist) العالمية تقريراً عن أهمية النقل العام في الشرق الأوسط، وبدأت بالرياض، ثم انتقلت إلى مصر واستشهدت بمعلومة في غاية الأهمية للبنك الدولي يقول فيه بأن خسارة مصر السنوية من الناتج المحلي الإجمالي بسبب النقل العام هي (4%(! فالسؤال الذي سيتبادر إلى الأذهان مباشرةً: ما هي الانعكاسات السلبية لعدم وجود نقل عام في دولة كالسعودية؟! وهل تأثير ذلك على اقتصاد السعودية يفوق تأثيره في مصر؟!
لعلي أترك التوقع لقارئ المقال ليستنتج بنفسه بعد ذكر المحاور التي يؤثر فيها النقل العام بشكل مباشر. لكن وقبل أن أدخل في هذه المحاور، لا بد من الإشارة إلى أنه ليست بالضرورة في أن يبداً مشروع النقل العام (بقطارات)، وإنما يكون البدء بشبكة حافلات منظمة ومتطورة، ومحطات تخدمها في كل مكان، كما في جميع المدن العالمية، ومن ثم البدء في القطارات في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية.
والآن لنرى ما هي المحاور الاقتصادية الذي سيؤثر بها النقل العام مباشرةً:
أولاً: خفض الاستهلاك المحلي للبترول للاستفادة من تصديره لاحقاً بسعر السوق العالمي، لا سيما أنه ووفقاً للدراسات العالمية، تعتبر السعودية من أكثر الدول استهلاكاً للنفط.
ثانياً: تسهيل الحركة التجارية، وفك الاختناقات المرورية (وهو ما أشار له البنك الدولي في التقرير الذي نشرته صحيفة “The Economist”).
ثالثاً: فرصة كبيرة لتوفير وتوطين وظائف إدارية ووظائف لسائقي الحافلات (برواتب مجزية).
رابعاً: تسهيل حركة النقل لجميع طبقات المجتمع، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود، ولهذا البعد الاجتماعي بُعد اقتصادي أيضاً، فهو يعزز من القوة الشرائية للمواطنين، والتي ستُنفق في شراء المستلزمات الأخرى.
خامساً: في حال توفر النقل العام، فسيعزف الكثير عن شراء المركبات المستوردة من الخارج وما يترتب عليها بعد ذلك من ملحقات من قطع غيار وزيوت ونحوها (مرة أخرى المساهمة في تعزيز القوة الشرائية، وتدوير الأموال داخليا، أو حتى الاستفادة من الأموال في الاستثمار أو الادخار).
سادساً: مصدر دخل للدولة كونه نقل عام برسوم كما في كثير من الدول المتقدمة.
سابعاً: تقليل عدد الوافدين العاملين في سيارات الأجرة، والوافدين ممن يعمل كسائق خاص. بالإضافة إلى أن هناك من الشركات من سيستغني عن وسائل النقل التي تُقل موظفيها، أو تشتريها لمندوبيها لأغراض التسويق. ولهذه النقطة تأثيرها المباشر في أربعة أمور: أولاً، خفض حجم المركبات المستوردة سنوياً. ثانياً خفض حجم الحوالات سنوياً إلى الخارج. ثالثا:ً تقليل الاختناقات المرورية. ورابعاً، وهي النقطة الأهم، خفض نسبة الحوادث، حيث أن هناك الكثير، وكلنا يعلم، من يأتي هنا (ليتعلم في شوارع المدينة) واضعاً اللافتة الشهيرة (سائق تحت التدريب)!
ثامناً، والأهم: خفض نسبة الحوادث، لا سيما وأننا نعرف مدى كثرة الحوادث في السعودية بالذات، لذا سأجد نفسي مضطراً للتوقف كثيراً عند هذه النقطة لعظم أهميتها، فكلنا يعلم ما يترتب على الحوادث أولاً من خسائر بشرية، وثانياً من خسائر مادية ضخمة. ودعونا نرى بعض الأرقام المروعة فيما يخص الحوادث. فبحسب الفيديو الذي سبق وأن نشرته أرامكو في حملتها التوعوية عن خطورة الحوادث، ذكرت أن عدد من مات في سنة 2011 لوحدها في السعودية بسبب الحوادث 7,153 شخص! وهو في ازدياد وفقاً للإحصاءات! بينما في دول أخرى تجد أن هناك برامج لخفض نسب الحوادث، وقد نجحت تلك البرامج نسبياً بشكل كبير. أما في العشرين سنة الماضية، فبلغت عدد الوفيات في السعودية بسبب الحوادث 82 ألف! وهو أكثر من عدد من مات في حروب عالمية مجتمعة! حرب الأرجنتين (20 ألف)، و حرب الصحراء الغربية (15 ألف)، و حرب باكستان مع الهند (13 ألف)، و حرب الخليج (5,200)، و حرب النيبال الأهلية (20 ألف)، حرب استقلال كرواتيا (16 ألف)!
أما الخسائر المادية التي توقعتها أرامكو في عام 2014 بسبب الحوادث فقدرت بـ 19 مليار ريال! (وربما يكون أكثر! لا سيما مع حجم الأموال التي تنفقها وزارة الصحة في معالجة المصابين، بالإضافة إلى الخسائر التي تترتب على ما بعد الحوادث من خلال زيادة الطلب على قطع الغيارات، وعلى مركبات جديدة في كثير من الأحيان، ناهيك أن هناك كثير ممن فقد وظيفته بسبب الحوادث، إما مصاباً أو متوفياً! إذن نحن أمام حرب، وليست مشكلة فقط!
نقطة خروج: “لا يمكنك فهم أي مدينة مالم تستخدم نظامها في النقل العام.” توماس أديسون – مخترع ورجل أعمال أمريكي.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734